لو قُيّضَ للبنانِيَّينَ اليومَ قدَامِسةٌ ، لَراحوا يُركزِونَ على حُدودِ الوطنِ عبقريَّات ، وَكتبوا حُكماً ملاحِمَ الخوفِ على الإنسانِ والأرضِ والمصير
ويومَ نذكُرُ لبنانَ ، تَمُرُّ بالبالِ الآدابُ والفنونُ والشَُعرُ وَالجَماليات الأبجديّةُ التَّي فككنا فيها السنةَ البشرِ
هذه الرَّقاعُ الملأى بتيجانِ المعرفةِ الشَّاملةِ ، أصبحتْ في مَهَّب عواصفَ لا ترحمُ الكلمةَ ، ألتَّي كُتِبَتْ بنجيع نياطِ القلبِ ، ومعاصرِ الدُّموع وَرَشيحِ الجباهِ ، ألتَّي كانَ مِن شأنِها صَهَرُ البدائعِ والروائعِ ، والتراثٍ الثَّرَّ ، الحافلِ في بناءِ الشَّخصيَّةِ ، ألتَّي فَرَّقَتْ على العالمِ ، منذُ فجر التاريخِ ، بذورَ الحضارةِ الأُولى
أينَ نحن اليومَ من ذلك التّاريخِ ؟ ومن تلك الحضارة ؟
لقد أدركنا العار
لقد أدركتنا وَصْمةٌ ، لا يَستحقُّها لبنان ، وَطنُ الحرفِ والأَرزِ ، والحضارةِ الفكريَّةِ والرُّوحيَّةِ ، ومجتمعيَّةِ الأوزاعيَّ ، والبُستانيَّينَ ، وآل الشّميّل والشّرتوني وعمر فاخوري وأَهل الكلمةِ عندنا ، أُولئكَ الَّذين ، على أَنامِلهم نَزْفُ الأقلامِ واليراعاتِ
هذه القُدُراتُ الأدبيَّةُ ، الَّتي رَبيَتْ على طَفْحِ المحابرِ ، هي في طريقِها إلى الهجرةِ ، والتَّراجُعِ وَخَلْقِ العظائمِ ،والنَّقدِ البنَّاءِ ، الذي يِحمِلُ عتاوَهُ للإصلاح
وطنُ الكلمةِ اللَّبنانيَّةِ
وطنُ الإنسانِ اللَّبنانيّ ، نخشى ، أن يُصابَ بالخَرابِ الكامِلِ ، لان جَبهتَهُ ما انحنَتْ إلاَّ في بيوتِ الحرفِ والكلمةِ ، وَرَصْفِ العِزَّ ، الآتي من إرثٍ ، ما عَرَفَ الوَنى، ولا الآفاق الضَّيَّقة ، ولا اللَّيالي الجهم
وبتنا في هذا الزَّمن ، نخافُ ، على وَحدةِ تَطلُّعاتنا ومجتمعنا وواحةِ جغرافَّيتنا المُشتركةِ الغاياتِ والأهدافِ والمصالحِ والمحبَّة والمحتِدِ
هنا لا بُدَّ مِن اسئلةٍ يَجبُ أن تُطْْرَحَ
هل أُمورُنا الَّتي نمرُّ بها ، غَدَتْ أمكنةً صحراويَّةً؟
هل قضايانا المدنيَّة ، تحوَّلَتْ إلى اطلالٍ؟
هَل تَحوَّل لبنان شارل قرم ويوسف السَّودا وسعيد عقل إلى أتنيّاتٍ متناحرةٍ ، ومذهبيَّات قاتلة؟
هؤلاءِ الكبار ، وَضعوا اسُساً وقَوانينَ للنَّاسِ فيِ الدُّنيا ، منذ بدايةِ القرنِ العشرين ، يا الخَجَلُ منهم ، عندما يَعرِفون بمُجرياتِ ما يجري في هذه الأيَّام
يا الخَجَلُ منهم ، عندما يُدرِكوَنَ ، أنَّ الحَضَارةَ تلك قد جُيَّرَتْ لِحضاراتِِ ُأخرى ، وكادَتْ تُضَربُ مِن بيتِ أَبيها
يا خَجَلَ اللّبنانيَّ مِن ميشال شيحا ، الَّذي جَسَّد طُموحاتِنا في شَقْعِ وَرَفْعِ مداميكِ الإنسانيَّةِ
بل ماذا نقولُ للكبير شارل مالك ، عندما فَجَّرَ الحضارةً اللُّبنانيَّةَ في هيئةِ الأُمَم المتّحدةِ ، وفي اكاديميَّاتِ العالمِ
بعدَ هذه الثوابتُ ، أجدُ نفسي في ضَياعٍ
وممَّا أقولُهُ للَّبنانيّين: حرامٌ أن يَغَدو هذا الوطنُ العِملاقُ ، للهمجيَّة ، والفوضى بَدَلَ أن يكونَ
ضخامةَ مُعتَزمات
أرجو المعذرةَ ، إن قلتُ لأهلي في لبنانَ ، إنَّ مَن أوصلَنا إلى هذا المُستوى، همُ الجَهَلةُ ، والمُستغِلّونَ ، وَمُحبُّو المالِ ، ومخترعُو الفسادِ والأخطاءِ
وإن ُسئلوا ؟ اصمُّوا الآذان عن سَماعِ الأصواتِ الهادرةِ ، وَصَرخاتِ الاستغاثةِ والتخديرِ ، حتَّى تَراكَمَ البؤسُ والشَّقاءُ ، والمجاعةُ ، وَضَرْبُ الحضارةِ التي نُباهي بها الدُّنيا
قضيَّةُ الفِكرِ والِعلم ، هي قضيَّةٌ رئيسة
جَعلوها قضيَّةً عَدَميَّةً ، تجتاحُ لبنان
لو تعلمون
لبنانُ لا يموتُ ، فهو طائرُ الفينيقِ ، الَّذي يَتعالَى على جراحِهِ ، امَّا الكوارثُ ، فإنَّها كغيمةِ صيفٍ ، لا تُعَمَّم ، أن تُبَدَّد
في ايَّ حالٍ
إنَّ تفاؤُلي يَكبُرُ يَوماً بعدَ يومٍ على رغم المشكلاتِ الكُبرى ، وسييقى أرضَ الحرفِ والأدبِ والشَّعرِ والمعرفةِ والدَّيمقراطيَّةِ والإنسانِ والحضارةِ