أسماء مصطفى
أسماء مصطفى
لستُ أنا
لا تفتحي الباب لأحد ،،،،حاولي ألا ترفعي صوتك وأنت تتحدثين مع الأولاد ،،، لا تشرعي النافذة إلا للضرورة؛ الفضوليون لا يتركون أحداً في حاله ،،،،يضيف بنبرات يشوبها التهكم
-اذا استمعتِ إلى أغانيك اخفضي الصوت سيظنون بك الظنون
يهم بالخروج ثم يعود ليضيف ملاحظة أخرى، صار يضيفها منذ ان حطت بجانبنا جارتنا الارملة
-يهملن بيوتهن ليجتمعن عندها ،،،، إياك أن تغريك صحبتهن
يغمغم في طريقه الى الباب
-اسمع قهقهتهن الخليعة كل يوم قليلات الحياء
ثلاثة عشر عاماً استمع لنصائحه وإرشاداته المكررة والمتجددة أحيانا دون أن اعترض أو أفقد صبري ،،،تعودت ذلك في بيت أبي ،،لم يتغير شيء
وقفت في هدوء أتلقى تعليماته الصباحية ،،،،ركزت نظراتي كعادتي في إبريق قهوتي حتى لا تفور …أصخت السمع لأصواتهن وحديثهن وضحكاتهن أمام شقتها،،، مازال الوقت مبكراً للزيارة !!!!! يالهذا الفضول الذي ينمو ويترعرع
لماذا يجتمعن كل يوم في بيتها؟ لم بيتها هي دون غيرها ؟ أي نوع من النساء هي؟
ترددت كثيرا قبل أن احسم أمري وأقف أمام بابها للمرة الأولى ،،شعرت بالخجل ، تلاشت ثقتي في نفسي،، ،لم أزر أحداً ولم يرني أحد الا صدفة منذ استقررتُ هنا ،، سرت قشعريرة في أوصالي ،، اااااه علي أن أتغلب على هذا الخوف، هناك وقت طويل قبل أن يعود من عمله
استقبلتني سمر -كان هذا اسمها -بحفاوة وصافحتني بود وكأنها تعرفني وتنتظر مجيئي ،،تجولت بنظرات سريعة في أنحاء دارها الضيقة المتواضعة ،، لم يلفت نظري سوى انتشار جاراتنا في أروقة بيتها كالفراشات بأناقتهن المتزنة والوان ملابسهن المبهجة
، استغرقت إحداهن في الرسم حتى فقدت الإحساس بمن حولها على ما يبدو ،،،، بينما وقفت أخرى تعرض مجموعة من ثيابها وأحذيتها الجميلة في خيلاء وكأنها عارضة أزياء شهيرة.
شدت انتباهي كثيرا تلك المنهمكة في اداء تمارين رياضية بطريقة راقصة على انغام مقدمة (دارت الايام ) لكوكب الشرق،، يتصبب العرق من جسدها وتلمع حباته على جبينها الوضاء ، راقبت والابتسامة تتسع على شفاهي حركاتها الرشيقة ،، واهتزاز حبات الخرز المخضبة اللامعة تتدلى من الحزام الذي ربطت به وسطها
سكبت سمر فنجان قهوة من حافظة حرارية موضوعة على الطاولة ،،قدمته لي وأنا امعن النظر مشدوهة:
-تعودت كل منا أن تصب لنفسها القهوة أو الشاي حسب رغبتها ،،، لأنك ضيفتي للمرة الأولى أضيفك بنفسي
كومت ملابسي الشاحبة على السرير دون ترتيب ،،تقلبت في فراشي كثيرا تلك الليلة ، احتدمت الأفكار في باطني أنحشرت الاستفهامات بروؤسها المعقوفة داخل رأسي …كيف تعيش سمر تلك الفوضى مع رفيقاتها ؟ كيف تحتمل هذه الحياة المستهترة ؟؟
لم أعتد تلك الأجواء ، بيتي كان دائما مثالاً للنظام والدقة…..كل تصرف محسوب وفي مكانه المناسب ،، كل شيء له موعد محدد لا يتجاوزه ،،،، لا اعتقد اني سأزورها مرة اخرى.
تذكرت آخر من طرق بابي لغرض الزيارة ،، كانت إحدى قريباتي ،،يرافقها طفلها الذي يقارب عمره عمر طفليَّ ،، ، زادت لائحة إرشادات زوجي يومها كدأبه ،لم يتوقف عن توجيهي طوال فترة إقامتهم ،،،حافظت على النظام كما يريد ….لا لا ….بل كما ينبغي،،، لم أسمح للاطفال بأن يرفعوا صوتهم أو يركضوا او يكثروا اللعب واللهو ،، عندما دق الباب وفتحوه عنفتهم ،،، الساعة العاشرة تماما كنت أطفيء الأنوار وأفرض النوم على الجميع ،ارهقت اعصابي ،، تمنيت أن تغادر ضيفتي ، شعرت معها بالأنس الذي افتقده لكن النظام والأصول أهم ،،،
اااه يبدو أن النوم يرفض دخول مخدعي ،، كيف أستطيع الاستيقاظ مبكراً وأنا لم أنم حتى الساعة؟؟؟
نظراته المتلصصة الملتهبة لبنطالها الجينز الضيق لم تمح من ذاكرتي ،،،
-لا حول ولا قوة الا بالله
سمعته يهمس بعد ان ضبطت بصره متلبسا عند عودتي من دورة المياه،،، تبرم ،،،،، بصق على الارض حنقا ،،، أطلق متمتماً أفظع الشتائم مهاجما مظهرها ،،، كانت المرة الاولى والأخيرة التي يخرجنا فيها الى مكان عام للترفيه
يا الله لماذا أستعيد كل تلك التفاصيل؟؟
مرت ليالي مضنية ،،،استبد بي القلق فيها ورسم بصماته وخطوطه الجلية على محياي،، اهتززت في دهاليزها كبندول الساعة لا أستقر على حال
فتحت عينيِّ وشعور السكينة يغمرني ،، وضعت إبريق القهوة على النار ،،لم أراقبه كعادتي ،، ارتديت ثيابي بسرعة ،، لم أبالِ عندما عدت ورأيت القهوة تفور وتنسكب وتتناثر حبيباتها السمراء لترسم أشكالاً على الموقد الباهت
كل ماكان يهمني أن اصل في الوقت المناسب
تعليقات 1