يوسف طراد المصدر النهار
كانت شمسها تستعير إشراقتها من مبنى “النهار”، وحلم السياحة يلاقي القمر على أجنحة “السفير”، وحياة وصخب وساحات وثوار، ومنازل تضحك مع الفرح على الأثير. فجاء القدر وضجّ صوت الجحيم، ممددًا أذرعه الرهيبة في أرضها والسماء. بكت شوارعها بعد الخراب الأليم، وزجاج نوافذها عانق الفضاء. خلف اللهيب الذي ضمّد جرحها باللهيب، ووراء الرعب حيث يعيش حلم الانطفاء، سافرت الشبابيك وتشلّعت الأبواب، سُحلت المباني متدثّرة بغبار الانفجار. مآسٍ من أطلال واِرتهاب، وخراب سائر بثقة وثقافة سوداء. لا منتصر هنا غير الوجوم والانهيار، وقع أقدام الجحيم بين الماء والإهراء
من هو نيرونك يا بيروت؟ في زمن الرداءة استبدلوا مفاهيم الالتزام، زجاجًا متطايرًا بكت البيوت، ولم تملأ دماؤها كؤوس الأنام. أي تسوية ينشدونها والموت في الطرقات؟ على من ستسري بنود جعلت منك مطية؟ فتُنسب وقائع وندخل متاهات، والذين كانوا يجلسون في الصفوف الأمامية، كيف لا يرون ما يحدث في الساحات؟. جميع ساستك خدموا البربرية، صُمّت آذانهم عن سماع النحيب والآهات. وحدهم الغرباء أحسوا بألم النفوس، يا جوهرة الوطن لا تليق بك الأذية. مدن المتوسط حزينة على العروس، لكنها هبّت لنجدة بلاد الأبجدية
حين رحلت “المرافئ القديمة”، أصبح “الجسد حقيبة سفر” إلى المجهول. سبحت السمّان في “بحيرة الشيطان” وهي عليمة أن الاستبداد عنك سيزول. بيروت “حلم يقظة” عند أدونيس رسمك “بريشة غراب”، فكنت “الوجه الآخر من الحلم” في الفراديس، هل يُعقل أن تصبحي خرابًا؟ رأى الحاوي مصيرك في “نعش السكارى”، فكنت أمنية الملوك يا “ليالي بيروت”. كانت كلمات الماغوط بوصفك حيارى، في قصيدة “حريق الكلمات” فبكت البيوت. أنت للفيتوري قصيدة جميلة و”نقش على الشفتين”، “يا ست الدنيا” كنت لنزار خليلة، فجعلوا بهجتك وثقافتك للمجهول رهينتين
بيروت يا حورية الحلم الجميل، كل ركن منك تاريخ وحضارة وإنسان، في فضاء الروشة سحر الأصيل، ورقي أحياء متألقة في كل مكان. مسارح معارض مشاف وصحف وحرية تعبير، معاهد متاحف وجامعات
في سمائك يمتزج صوت الأجراس بالتكبير، سلام لثوار يذرفون الدمع دمًا في الساحات
بيروت يا لوعة الوطن، بيروت أصبحت على كل لسان. بيروت ما كل هذه المحن؟ متى سيسيطر عليك الأمان؟ مدينة سئمت رائحة البارود، فأرادت أن تنبعث من الرماد. جلجلتها تخطّت كل الحدود، حكمها أشباه رجال وأوغاد
لن تقفل بوابة طريق الحرير، ولن تمحى “بيروتوس” من ألواح العمارنة، ففي “لاذقية كنعان” يعلو الزئير، من أسود تحمي “جوليا السعيدة” بكل أمانة. أنظر يا “بغدوين” في “باروت” عزم شباب، و”أليغابال” يكفكف دموع “ربّة الميثاق”. يا “زهرة الشرق” من رحلة العبث حان الإياب، فطيف “غليون” لشوارع “الدرّة الغالية” توّاق. “أم الشرائع وروحها” الظلم ليس هيّنا، بوجه الطمع كانت نصوصك حرابًا. لا لن تسقط بيروت أو تذعنَ، إنّ “الفوروم” ينتظر الأحباب