تعتبر رواية “مدام بوفاري” للفرنسي جوستاف فلوبير من روائع الرواية العالمية،وهي ذات صيت طيب في جميع أنحاء العالم وشهرة عالمية، ونظرا لشهرة هذه الرواية وتداولها بشكل واسعا في الدراسات الأدبية و النقدية وعلى ألسنة الناس، يتوهم الكثيرون أنهم قد سبق لهم قراءتها ،مع أنهم لم يفعلوا ذلك ، وهذا بالضبط ما حدث لي إذ لم اشك يوما في أنني قرأت هذه الرواية ، لكن الحقيقة أنني لم أفعل أبدا ،فقط اطلعت على بعض المقاطع منها باللغة الفرنسية ولم أستطيع الذهاب في ذلك بعيدا ، نظرا لكثرة الوصف في الرواية، الذي أنهكني في ذلك الوقت الذي كنت أقرأ فيه فقط من أجل المتعة .
اليوم عثرت على الرواية مترجمة إلى اللغة العربية في الأنترنيت فتملكني فرح غامر وكأنني عثرت على لقيا ثميتة ،والنسخة التي ظفرت بها من ترجمة محمد منذور وصادرة عن دار شرقيات عام 1993 في 295 صفحة ، وقد رسخت هذه الروية الاتجاه الواقعي في الأدب،و أطاحت بالاتجاه الرومانسي الذي كان سائدا في تلك الأثناء،كما أن فلوبير حكم بسببها إذ اعتبرت أوان صدورها رواية لا أخلاقية ، وهي تحكي عن السيد شارل بوفاري منذ بداياته الأولى خلال الطفولة و تعثره الدراسي و شخصيته الضعيفة المهزوزة ،والصعوبات التي واجهها في حياته و الطريقة الكريكاتورية التي أصبح بها طبيبا ثم بتحريض و مساعدة فعلية من أمه زوجا لامرأة غنية حولت حياته إلى جحيم، قبل أن يلتقي ب”إيما” التي سيتزوجها بعد وفاة زوجته التي أفلست فجأة .ستركز الرواية في باقي صفحاتها على إيما و شخصيتها المزاجية و توقها اللامتناهي إلى الحياة والحب، فتتنقل في عواطفها ومغامراتها الجنسية من رجل إلى آخر دون أن تقوى على محض الحب لزوجها الذي كان منشغلا بأمور أخرى غير الحب ، ولا يشعر بأي ذرة من الغيرة تجاهها، مما فتح المجال واسعا ل”إيما “كي تحيا حياتها العاطفية الباذخة مقرونة بنوع من تأنيب الضمير الذي سرعان ما تجد في سلوك زوجها مبررات لطمره والإلقاء به إلى مهاوي النسيان..
تتميز هذه الرواية الجميلة بثراء في الوصف لا يضاهى ، فجعل منها ذلك تحفة تصويرية مبهرة ، والجميل في هذه الرواية أن هذا الوصف ليس منفصلا عن أحداث الرواية أو ان الكاتب ساقه فقط للزينة أو لملء البياض ورفع عدد الصفحات، بل هو وصف يساهم بشكل فعال في تطوير أحداث الرواية و يعبر بعمق عن نفسية الشخوص في الحالات التي تكون عليها ، و خاصة بالنسبة للمبجلة إيما بوفاري.
مصطفى لغتيري