ناصر الحجّاج
أفكر بالانتحار منذ زمن بعيد
اتذكر اول مرة خبطت راسي بصخرة العدم ، حين كنت في الصف الخامس العلمي في ثانوية الهوير، شمال البصرة، لم اذهب فيها الى المدرسة، اخرجت كتبي ودفاتري واشعاري وركمتها خارج البيت من جهة بستاننا الصغير ، صببت عليها النفط، واشعلت فيها النار ، جاء اصدقائي وبعض اساتذتي برسالة مفادها انني موجود، وهناك من يهتم لأمري .. كانت تلك بداية معرفة ان خالق هذا الوجود ، تركه لنفسه، وان معجزاته تاريخية لا يريد تكرارها معنا، فنحن لسنا انبياء ولا رسل، بل حتى امحمد رسوله الاخير ، حين قال له ان قريش (حلف الأعراب الاشد في الكفر والنفاق) يريدون معجزة ليصدقوه، رد عليه “طز بقريش على اساس انا محتاج يصدقون” او شي من هذا القبيل)
مررت بسنوات مريرة حين كان أخوي يوسف مسجونا في ابو غريب، وبدأ مجتمعنا ينظر لنا كعائلة منبوذة، حتى ان عوائل من اقاربنا رفضوا يزوجون أخي صافي خوفا ان تطالهم تهمة “ضد النظام” ،عرفت خلالها ان المعجزات تحدث كل لحظة، ادارة عائلة بتوازن أمر اعجازي ، فكيف بإدارة مجرات بل خلقها من لا شي ، عدت الى ايماني بان الله قريب، لطيف، لا ينقطع حبله. لكن أيش يريد هذا الرب ، الخالق، امر محير ان تدرك اعجازية الخلق ولا تدرك غاية الخليقة
لو كان يجدي الانتحار، لكنتُ ممن ينتحر
لأراح من وجع الحياة، ومن تصاريف القدر
هذين بيتين من قصيدة كتبتها عام ١٩٩١ ولم اعد اتذكر بقيتها، فقد كنت شاعرا عموديا ، وما زلت عموديا ولكن في حلمي اللاجدوى من الانتحار كانت مرحلة بدائية، فالمراحل التالية كانت تفكيري بحزن والدتي عليّ وهي التي تخاف علي من هبوب الريح العالية
وأعقبتها احساسي بما سأسببه لأولادي من مرارة انتحار والدهم التي ستلازمهم طوال حياتهم تؤرقهم وتشوّه جمال احلامهم
كثرة الاسباب التي دعتني وتدعوني للانتحار تقابلها حجج وأسباب تحول دون تنفيذ قرار الخروج من صندوق الدنيا أسوأ مما دخلته
وخلال هذه الحياة الطويلة ، التي امد بها الله وعدم الانتحار ، فكرت بطرق متنوعة، منها فصد العرق ، وكيس النايلون ، فهما في نظري انظف الطرق حيث يبقى جسدي دون تشوّه، اما تجرع السم، او ابتلاع كمية من الحبوب فكانت افكارا طفولية ، ففي بعض السنوات كانت طلقة مسدس في القلب تحمل رسالة فيها الكثير من الرجولة
- من نحن
- قراءة في رواية الجميلات النائمات للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا
- مسار
- التقتْهُ في بقعةٍ معلَّقةٍ بين الأرضِ والسماء
- في الشعر
نعم مرات كثيرة كنت سأنتحر احتجاجا على ربي، لأني ارى انه تركتني وحيدا
كنت سأكتب فيها: خذ هذا اللحم كله دام علاك
ثم اعود الى نفسي لاجده يضحك من وصولي الى تلك المناطق اللامأهولة من النوازع والاحاسيس ، يقول لي انا أعدّك لأشياء قادمة لا تصل اليها الا عبر هذا الدرب الوعر الذي سلكت
لست ادري ان كنت الان في وهم آخر ، ام في لحظة صحو واشراق
فقد اعتدت ان اقترب الى الخوف ما استطعت لأشعر بالأمان