الحياة عيزوقي
بعد زواجٍ دام أكثر من ثلاث عقودٍ
طوال هذه السّنين مادخل البيت إلّا ووجده يرقص مبتسما لقدومه بكلّ تفاصيله…وجهها البشوش يشعشع النّور من عينيها
الأولاد يسرحون ويمرحون وكلّ حاجيّاتهم ومستلزماتهم مؤمّنة على أتمّ وجهٍ وهم بانتظار بابا للتّحوّق حول طبق الغداء مشدوهين لما يحمله من حلويّات وهدايا
تستمرّ الأيّام وتمرّ السّنين والبيت السّعيد بإسرته يزداد بهجةً وسعادة
ذات يومٍ رنّ هاتفها الخاصّ
صوت أنثى غريبٌ عن مسامعها
ألو مين حضرتك؟؟؟
– مرحباً
مرحباً بك ؛من المتّصل؟؟؟
– أنا سكرتيرة زوجك بالمكتب
ماذا تريدين هل حصل لزوجي أيّ مكروهٍ؟؟؟
فأنت مااتصلتِ ذات يومٍ بي
ولا أعرفك
أرجوكي أخبريني هل هناك خطبٌ ما؟؟؟
– لا أبداً زوجك بألف خير…اطمئني
هو الآن في شقتي نتناول الطعام معاً ولا تخافي إن تأخّر لربما بقي الليلة عندي
أغلقت هاتفها وغابت في صمتٍ عميق والدّموع احتقنت في مقلتيها
لاحظ الأولاد أمراً غريباً أصاب أمّهم بعد ذاك الإتصال
حاولت ابنتها البكر أن تسألها وتستفسر ماالأمر
لم تنبت شفتها بحرفٍ واحدٍ بل بقيت دون حراكٍ وعيناها مثل غيمةٍ مثقلةٍ بالمطر
همهمت ببعض الكلمات الملغوزة (تبّاً لاسامحك الله بعد هذه السّنين )
(يارب انتقم)
تأخّر الأب عن موعده المعتاد
نادت الأولاد ليجلسون على طبق الغداء
سأل أحدهم:أين أبي لماذا لاننتظره!!!؟؟؟
تجيب الأمّ وصوتها يتحشرج في حلقها:بابا عنده اجتماع ومن المحتمل أن يتأخّر كثيراً
الإبنة الأكبر رمقت أمها بنظرة جعلتها تشعرّ بأن الأمر ليس اجتماعاً وتمتمت في سرّها (هناك أمرٌ خطيرٌ تخفيه أمّي علينا)
تناولوا الطّعام وكلّ ذهب ليتابع يومه كالمعتاد دون انتباه لما يجري مع الأمّ
الأمّ تأكلها نار الخوف والقلق والشّكوك والظّنون السّيّئة
وأصبحت كثيرة التردّد في وضع بعض الأواني في مكانها ويبدو عليها القلق والإرتباك
تقترب ابنتها الأكبر منها لتسألها بإلحاحٍ: مالأمر؟؟؟
تصرّ الأمّ على الكتمان وتردّد (غداً يدوب التّلج ويبان المرج)
بدأ الخوف يسري بين الأولاد بالعدوى
بدأ الفرح ينوس قنديله
في اليوم التّالي وقبل موعد وصول الأب إلى البيت ببرهة
يرنّ هاتف الأمّ وهي في المطبخ تعدّ الطّعام ليكون جاهزاً حين مجيئه
تقفز من مكانها مرتبكةً ووجها كلح لونه
ألوووو مرتجفة
حادث أودى بحياته ؟؟؟
هو الآن في المشفى!!!؟؟؟
كيان البيت ييصبه زلزال ؛بكل مافيه
الأمّ الأولاد يصبح حالهم يرسى له
تمرّ الأيّام والشّهور والسّنوات على رحيل الأب الذي قهر الأم وجرح كرامتها وأهانها وهي الصّبورة المتفانية بصمتٍ في تدبير البيت والحفاظ على الأسرة مستقرّة
يكبر الأولاد. وتكبر الأمّ وتزداد مسؤولياتها وتثقل كاهلها أعباء المنزل ومتطلبات الأولاد
تجلس بعد خروجهم إلى مدارسهم وجامعاتهم وحيدةً
شريط الذّكريات يمرّ أمام عينيها تتذكّره بحنانٍ وتشتاق رؤيته التي أصبحت مستحيلة
تتنهّد حسرةً وتقول:(وجوده بالبيت رحمة لو كان فحمة)
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي