تعرف بلاد الشام عامة الزعتر، الذي يعدّ إحدى أطيب الأكلات، وبه اشتهرت فلسطين ولبنان وسواهما من بلدان المشرق. ومؤخراً قامت منظمة «اليونسكو» بإدراج منقوشة الزعتر على لائحتها للتراث غير المادي للبشرية، بناء على طلب قدّمه لبنان في مارس/آذار عام 2022، واصفة إياها بأنها «راسخة في الهوية اللبنانية»، فيما لا تزال المنقوشة من الخيارات الأرخص ثمناً بين المأكولات، في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ العام 2019.
يتصل القرار الذي اتخذ تحديداً ب «منقوشة الزعتر»، لا بالزعتر نفسه، والمنقوشة هي عجينة شهيرة يوضع عليها الزعتر الممزوج بالزيت، وتُخبز في الفرن أو على «الصاج»، وقدّمت «اليونسكو» لمنقوشة الزعتر الوصف التالي: «خبز مسطح يُعدّ في المنازل والمخابز المتخصصة، ويستمتع السكان المنحدرون من جميع الخلفيات في لبنان بتناوله في وجبة الفطور». كما أشارت إلى أن صلوات ترافق إعداد العجين، «التماساً لاختمار العجين، فيقوم المسلمون بتلاوة بداية سورة الفاتحة، ويقوم المسيحيون بتلاوة الصلوات والتصليب»، مضيفة أن «المنقوشة راسخة في الهوية، وتذكّر نكهاتها بالجمعات الصباحية التقليدية، أو ما يُعرف ب «الصبحية» التي تؤدي دوراً رئيسياً في التفاعل الاجتماعي».
يذكر أن منقوشة الزعتر واحدة من عدة «مناقيش» تُخبز في أفران معدنية أو حجرية من الطوب الحراري أو على الصاج المعدني المقعر، ومتوفرة بالزعتر والزيت، كما يمكن أن تمزج بالجبن، أو تُضاف إليها أحياناً بعض أنواع الخضر، ويمكن أن تؤكل مع اللبنة أيضاً. ومع هجرة الشوام إلى البلدان المختلفة، عربية كانت أو أجنبية، نقلوا معهم «المناقيش» أينما حلّوا، بما فيها مناقيش الزعتر، التي تعرف بفوائدها الصحية الكثيرة.
«أطيب ما أحبّ من الطعام الزيت والزعتر»، هكذا قال محمود درويش في واحدة من أشهر قصائده المبكرات، وله قصيدة أخرى بعنوان «أحمد الزعتر»، كتبها في بيروت، قال فيها: «ليدين من حجرٍ وزعتر، هذا النشيد.. لأحمد المنسيّ بين فراشتين»، وهذه القصيدة كتبت بعد مجزرة مخيم تل الزعتر الفلسطيني في لبنان، فترة حربه الأهلية في منتصف سبعينات القرن الماضي، ويقع المخيّم المذكور شرقي بيروت، ويقال إنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى قرية تل الزعتر الفلسطينية بقضاء مدينة عكا، التي احتلت إبان النكبة في العام 1948، وهجّر أهلها إلى لبنان وسوريا.
يُذكر أن الفنان زياد الرحباني ألّف عملاً موسيقياً من وحي مأساة هذا المخيم الذي لم يكن يقع بعيداً عن مسكن عائلته، قبل أن يغادره زياد إلى غربي بيروت، وقد ضمّن زياد هذا العمل في أحد الألبومات الذي لحّن أغانيه لوالدته السيدة فيروز.