بشير الجواد
لم أتفاجأ بالجدران المتآكلة من الرطوبة فهذه هي البيئة المناسبة للمخلوقات الطفيلية . بضعة طراريح إسفنجية على بساط يغطي مساحة الغرفة و يزيد فانثنى عند أطرافه مما يسبب إزعاجا عند فتح الباب وإغلاقه . تدخل البصارة و تبدأ أول توقعاتي بالخيبة ، فليست عجوزاً بأوشام متعرجة من كثرة التجاعيد و لا تشبه المكان أصلا لا بد من قصة وراء مصيرها هذا بل كانت سيدة اربعينية ممتلئة الجسم طويلة القامة نوعاً ما بعباءة ملونة رقيقة تكشف تفاصيل جسدها بصمت مغرٍ ، بيضاء البشرة ينعكس على وجهها الضوء الاصفر _ الآتي من مصباح كهربائي وحيد معلق بالسقف بتمديدات ظاهرة كنت سأظن أنها حديثة العهد لولا كمية الغبار الملتصق بها و اصفرار لونها من دخان السجائر و النراجيل أو ربما من دخان قلوب كثيرة كانت تحترق من أجل نقطة بيضاء ما _ فيمتصه كما تمتص رمال الصحراء مياه الأمطار فتزيدها لمعاناً
بابتسامة بعيدة كل البعد عن الاستقبال المبتور الذي لقيته ” استريح استريح يا هلا باللبناني ” قالت بلهجتها البصراوية الدافئة ” من تلك التي أوصلتك الى هذا الجنون لتقتلع البلاط وتأتي به إليّ ؟، لقد رأيت الكثير من الغرائب و لكن هذا الجنون فاجأني” قالت محافظة على ابتسامتها . “إنه الحب يااا.. ما اسمك بالمناسبة؟؟”
“ينادونني أم علاوي البصراوية و لكن أنت يمكن ان تناديني أمل ” أظن انه اسم وهمي اختارته ليكون لكلامها منه نصيب . و لم أنا يمكنني مناداتها باسمها دون غيري !! أهو إعجاب من النظرة الأولى!! أم لأنني غريب هنا بلهجتي اللبنانية المحببة عند جميع العراقيين و كما يقال هنا ” العراقي يطرب عالغريب ” !! أو لعلها تقول ذلك لجميع زوارها كأصحاب محلات الملابس حين يقولون لك هذا السعر لك فقط
لا يهم لن أدخل في تحليلات تبعدني عن غايتي من الزيارة ، لازلت متمسكا بالبلاطتين و يزداد ثقلهما علي وأحسست أن النقطة البيضاء تأخذ بالانكماش شيئا فشيئا . عليها أن تبدأ بالعمل سريعا
حسناً ايتها البصراوية أمل هذا ما كتبه البن على هاتين البلاطتين فهاتي ما لديك
” آهٍ لو تعلم كم أشفق على العشاق المجانين أمثالك ايها اللبناني ” قالت ذلك بتنهّدٍ كاد أن يشق عباءتها و يخرجني عن تركيزي في ما أنا فيه
ولكن تلك النقطة البيضاء كانت شغلي الشاغل كيف ستتسع وتصبح عجينة مستديرة على أي نار سأطهوها لتصبح رغيفا يطعم أيامي القادمة كلها
_لا بد أن بك من حروق هذا الحب ما لايزال جمراً تحت رماد هذه الابتسامة
_ لا عليك بي .. لنرَ ما كتبه البن لك
غرفة 19
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي
- “أيتها المرآة على الحائط، من الأذكى في العالم؟”