جثم الليل على قلب الصحراء حالكاً، موحشاً. بردٌ قارصٌ، وظلامٌ عميقٌ انتزعا الحركة من كل شيءٍ، فأصبحتْ الصحراء خامدةً هامدةً، لا صوت فيها! سكوتٌ عميقٌ تسربَ إلى مساماتِ روحها، وبدأت الرياحُ تهب عاصفة تضج ضحيج طبول الحرب وهي تقرع معلنةً ملحمتها. ولولةُ الرياحِ اختلطتْ بعواء الذئاب، فتحطم السكوت.
في أثناء تلك الضوضاء،حثحثةٌ خفيفةٌ وقعت على الآذان، من مكان قريب حيث الرمال المتراكمة…
على حافة الصحراء فوق تلك الرمال، نخلة خضراء يميل لونها إلى الإصفرار ملتوية على وحدتها رافعة رأسها إلى السماء، وسعفها المرتعش يميل يميناً تارة ويساراً تارة أخرى وكأنها طفلة تؤدي صلاتها. جذعها النحيل في مهب العواصف لا ينحني. رغم هزلها، وضعفها وإصفرارها بَقَيتْ ثابتة، شاهقة، مرتفعة نحو العُلا؛ وذلك الظلام الكثيف بسهمه السمهري لم يصب قلبها، والليل العميق برمحه الحاد لم يطعن جذعها، وسيف الصمت الشاهر لم يخدش أغضانها، وولولة الرياح وعواء الذئاب لم يزعزعا ثباتها. عالية باسقة، تلك النخلة النحيلة المائل لونها إلى الإصفرار الواقفة على حافة الصحراء وسعفها المرتعش يميل يمينًا ويسارًا كراهبة ترفع يدها المرتعشة وتدعو الله أن ينجلي الليل العصيب وينبلج الفجر المبهج. ابتسامة خفيفة لمعت على وجه النخلة الشاحبة؛ كأنها شمت رائحة لقاحها الزكي ورأت بأن شذاها سيفوح في أرجاء الصحراء، و رأت الرّحالين يقفون تحت ظلها ويستوقفون الآخرين ويقتطفون من ثمرها الذيذ رطبـًا جنيًا متى شاؤوا وبقدر ما شاؤوا…
تصاعد صفير الرياح ورفعت الذئاب رؤوسها نحو القمر لتعوي عواءها الجماعي… وأما ابتسامة النخلة، تلك الخفيفة امتدت على وجهها وامتدت…
#سماهر_أسد
#جامعة_شيراز
7يناير 2024