بزجاجةِ اللغةِ التي امتلأت
بأحجارِ الكنايةِ،
بالكلامِ المختفي،
في جُبَّةِ التأويلِ،
دون إشارةٍ للسالكينَ،
بكلِّ أطنانِ المجازِ
مكدَّساتٍ في بياضٍ
لا تمرُّ بِهِ العيونُ الظامئاتُ إلى معانٍ راكضاتٍ كالغزالةِ في براري الروحِ،
بالصورِ البليغةِ، والأنيقةِ، والمُرَكَّبَةِ، المُدَمَّاةِ اشتغالاً وانفعالاً واعتباطاً زائداً عن حاجةِ البوحِ الشفيفِ،
وبالحداثةِ جرَّحَتها الهلوساتُ, فأطفأت قمرَ الشعورِ، وبالمعاني المنتقاةِ من القواميسِ القديمةِ، والحديثةِ دونما سببٍ،
وبالمعنى الذي سيجيءُ قارئُهُ غداً، أو ربما يومَ القيامةِ، غارقاً في لُجِّةِ التفسيرِ،
بالشِعريِّ مُنتعِلاً غُموضَاً مالحاً، ومسلَّحاً بكتائبِ الرمزِ الغريبِ، كتينةٍ شوكيِّةٍ، نبتَت بلا ثمرٍ على تِيهٍ ببطنِ الغيبِ، أبعدَ من يديَّ،
بكل حرفٍ لا يُهَذِّبُ، أو يُراوِدُ، أو يُكَهرِبُ قاتلاً أو عاشقاً، أو عابراً ماتَت مشاعرُهُ؛
ببوحٍ لا ينامُ بحضنِ فاتنةٍ تُعَزِّي نفسها، وبكلِّ شِعرٍ لا يَحُطُّ على خدودِ الوردِ
-في الليلِ الطويلِ- بخفةٍ مثل الندى، بالأغنياتِ البُكمِ، بالفنِّ العقيمِ
-يراقُ في الأسماعِ- دون قضيةٍ،
سأقولُ: إني كافرٌ…
أنا كافرٌ،
بجميعِ ما قلنا،
بفعلٍ لا يقودُ النهرَ للمجرى، ويُنبِتُ في رمالِ الصمتِ برقاً هادراً، يستلُّ أوردةَ الصدى الغافي على وترِ السكونِ، يصوغُ من أنفاسِهِ لحناً يذوِّبُ صخرةً، ويَضُوعُ إحساساً، ويزرعُ في ضميرِ الكونِ أحلاماً، وتوقاً.