قناديل إماراتية، علاء الدين محمود ل صحيفة الخليج 17 يوليو 2022
الشعر هو وعد المطيري الجميل وقدرها منذ الطفولة
في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة
«الكتب هي الأمان الذي نلجأ إليه حين ترهقنا الحياة، وهي وسادة الفرح التي نضع رأسنا مطمئنين عليها»، ذلك الحديث للشاعرة الإماراتية شيخة المطيري يشير إلى ولع شديد بالقراءة منذ الصغر، وهو ليس مجرد حب للاطلاع فحسب؛ بل عالم تسكنه وتلجأ إليه في كل حين، وتلك القراءة التي شغفت بها المطيري كانت بمثابة العتبة الأولى التي وضعت عليها قدمها في طريق الشعر الذي هو عالمها الأثير، لتصبح القصائد مملكتها التي تتجول فيها كأميرة على رأسها تاج الإجادة والتمكن. فمنذ وقت باكر من الطفولة والدراسة الابتدائية بدأت محاولات المطيري الشعرية من خلال كتاباتها لنصوص عفوية تحاكي بها القصائد والأناشيد المدرسية، مما يشير إلى شاعرة ولدت بأسنانها ونجحت في كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها
كان وجود المكتبة في البيت سبباً مهماً في جعل المطيري تتوجه نحو القراءة وحب الاطلاع، فقد ولدت في بيت ثقافة وعلم، وكان لأسرتها دور كبير في تشجيعها على القراءة، والمتأمل في سيرة المطيري يكاد يجزم بأن ولادتها الحقيقية كانت في المكتبة المنزلية التي اكتشفتها وهي في عمر 6 سنوات، وهي محتشدة بكل أشكال الثقافة والمعارف، فهناك الكتب الأدبية والفكرية
البيئة التي أعيش فيها لها أثر واضح وكبير، فقد نشأت في منزل فيه مكتبة عامرة بكتب الشعر والتاريخ والأدب والثقافة العامة، وكان للشعر فيها نصيب كبير، والبيت الذي تدخل المكتبة في تكوينه من الطبيعي أن ينتج أفراداً من القراء والكتاب
ولم تكتف المطيري بالمؤلفات التي عثرت عليها في مكتبة المنزل فقط؛ بل أخذت تشتري الكتب من حر مالها حتى لو اضطرت أن تبيع مقتنياتها الخاصة من أجل تغذي تلك المكتبة التي صارت تكبر وتكبر، وفيها تعلقت بإصدارات الدكتور مانع سعيد العتيبة؛ بل صارت تحفظها، فأصبحت تلك المكتبة في ذلك الوقت كل حياتها وهي دائماً ما تذكرها في جميع لقاءاتها الصحفية، وتقول: «البيئة التي أعيش فيها لها أثر واضح وكبير، فقد نشأت في منزل فيه مكتبة عامرة بكتب الشعر والتاريخ والأدب والثقافة العامة، وكان للشعر فيها نصيب كبير، والبيت الذي تدخل المكتبة في تكوينه من الطبيعي أن ينتج أفراداً من القراء والكتاب»
حنين
وما إن بلغت المطيري سن الثامنة من عمرها حتى كتبت أولى قصائدها ثم كتبت نصاً نثرياً، وكانت شديدة الإعجاب، وهي طفلة، بنص شعري لخليفة الحبتور يحمل عنوان «ذرات الحنين»، وكانت شديدة التعلق بتلك القصيدة وتمنّت لو كتبتها هي، وكل ذلك يشير إلى نبوغ أدبي وشعري مبكر، وكانت في ذلك الوقت تقرأ إنتاجها الغض الطفولي من نصوص على أسرتها، ولكن تلك الإشراقات الإبداعية كانت مدخلاً للكتابة الجيدة الواعية في ما بعد، حيث كانت المطيري تطور من أسلوبها وأدواتها في كل حين، وكان للمكان الذي نشأت فيه أيضاً دور كبير في تكوين وجدانها الإبداعي، وربما ذلك ما دفعها للقول: «نشأت في حي فتح لي دروب الأسئلة الكبرى لطفلة تبحث عما يشبهها في جدران ذلك الحي وشوارعه ودكاكينه وباعته المتجولين»، لذلك دائماً ما كانت نصوص المطيري تحتشد بالأسئلة وتتجمل بذكر الأمكنة
وعد
كان الشعر هو وعد المطيري الجميل وقدرها منذ الطفولة، حتى إنها وظفت ألعابها في خدمة شغفها بالشعر، حيث شكلت صالونها الشعري الخاص من مجلس للدمى التي كانت تلعب بها، وكانت تقرأ قصائدها على جمهورها المكوّن من الدمى، كما كانت تلك الدمى نفسها تلقي الشعر، وتقول عن تلك الفكرة: «كنت أنهمك في اللعب مع الدمى حتى أتجاوز فكرة اللعب نفسها، فيتحول الموضوع عندي إلى جلسة قراءات شعرية، أطلب فيها من كل دمية أن تقرأ قصيدة ما، طبعاً لن ألزمها بما لا أحفظ أنا، ففي الواقع كان الأمر يشبه مسرح الدمى التي أحركها، وأقرأ على لسانها كل ما هو متاح لي من قصائد في تلك الآونة، ربما ساعدتني مكتبة والدي الغنية بالدواوين الشعرية على تكرار اللعبة كل يوم، وأغلب القصائد التي كانت (تقرأها) الدمى، هي قصائد للشاعر شهاب غانم، ولسلطان خليفة الحبتور، وكي أضبط القراءات، وأضمن استمرارها، أخذت من المكتبة كل الدواوين وجمعتها في غرفتي»
مولد
كل ذلك الألق في الطفولة والسنوات الدراسية من اطلاع وكتابة غضة، أعلن عن مولد شاعرة كبيرة، وكان النضج أيضاً في سنوات مبكرة، عندما أنتجت أول دواوينها الشعرية وحمل اسماً هون الآخر قصيدة؛ إذ جاء بعنوان «مرسى الوداد»، تلك المجموعة الشعرية التي لخصت فيها تجربتها الجامعية ووثّقت تفاصيلها الحميمة، وكانت أغلب قصائد ذلك الديوان متأثرة بالرثائيات؛ لكونها قدمت بحثاً في تلك الفترة عن رثاء الأبناء في الشعر العربي متأثرة بالشاعر ابن الرومي الذي فقد ابنه، ليكون ذلك الديوان عتبة لمجموعات أخرى تتحدث عن شاعرة صاحبة مفردة خاصة ولغة باذخة، تعبر فيها عن أكوان وعوالم وتتناول فيها مختلف المشاعر والحالات الإنسانية من حزن وفرح وأمل ورحيل وانتظار
عفوية
ولا تقيد المطيري كلماتها بنوع ونمط شعري معين من القصائد، فالنص هو الذي يختار طريقته وشكله، فمرة يأتي عمودياً ومرة تفعيلة، فهو يأتي عفوياً وربما ذلك ما دفعها للقول: «لا أفكر مسبقاً كيف سأكتب القصيدة، ومقتنعة بأنني إذا فكرتُ فلن أتحدث، ولن أكتب»
«لا أفكر مسبقاً كيف سأكتب القصيدة، ومقتنعة بأنني إذا فكرتُ فلن أتحدث، ولن أكتب»
وتتجمل نصوص المطيري بذكر الورود مما يجعل من قصيدتها حديقة عامرة بشتى أشكال وألوان الزهور، ولعل ذلك الحضور الكبير للورد في نصوصها يشير إلى شاعرة تحتفي بالجمال والإبداع، وإضافة إلى الشعر فإن المطيري طرقت مجال الإعلام عبر الكتابة الراتبة بلغة شعرية