عزة كامل المقهور
ما أجمل تلك اللفيفة وهي تضم فصوصاً بيضاء (كريمي) مختلفة الأحجام، خجولة، تختبئ وسط أردية رهيفة بيضاء ذات خطوط رقيقة، متجانسة ومتماسكة برأس محفور صلب أو منبت لشعيرات جافة. تلتف على ذاتها في نفس الاتجاه وهي تتساند مطأطأة الرأس كأنها في حالة تشاور قبل انطلاق المباراة
يقف وينظر إلى الثوم على راحة يده المسطحة.. يتردد في فرطها وتعريتها ثم القبض عليها وتقطيع أوصالها أو سحقها بعرض السكين او دق رؤوسها معاً في المهراس حتى تفقد ماءها وتستحيل إلى ما يشبه العجين
مازال ينظر إليها في راحة يده وقد تطايرت بعض أغطيته
سأل نفسه لماذا عليه أن يفعل كل هذا من أجل لُقمة يتناولها في دقائق أو يرمي ببقاياها إلى القطط
لماذا كل هذا الجهد المبالغ فيه؟ ما عليه الآن إلا أن ينزع عنها الغطاء حتى يظهر قلبها الصلب الأبيض ليفعل بها ما يريد. يمكنه حتى ان يرأف بها ويبقيها على حالها، أو يرمي بها في الزيت الساخن، يحركها حتى يكسوها السمار ثم يطفئ حريقها بالماء ويراها تطفو غارقة
ما يهم بالنسبة إليه، هي الرائحة.. تلك الرائحة النفاذة التي تقلب أجواء المطبخ، تفلت من شقوق النوافذ والأبواب وتصل إلى الشارع، تستدعي الجوع على مهل حتى يستقر في معدته ليقضي عليه بملعقة واحدة سَكرى بفصوص الثوم
بدأ يقلب رأس الثوم بأصابعه.. كيف لم يتمعن فيه من قبل؟ كيف اعتاد على التعامل معه بهذا التعالي، بل الاحتقار. يلقي به في وعاء مليء بالماء حتى ينتفخ غطاؤه، ينزعه بسرعة بأصابع مدربة، يترك الأغلفة تسبح في الماء، يجمع الفصوص ويرميها على قطعة الخشب ويعاملها بكل قسوة، فيما هي تمنحه الرائحة وتنفث نكهة، بل نكهات مميزة في طعامه. يقف على حافة الطاولة مزهواً بطبخه بينما فصوص الثوم تكون قد أدت دورها بإتقان وذابت من أجله
يا الله.. تمتم وهو ينظر الآن الى رأسها الضامن لتماسكها. هذا الرأس الذي لم ير له أي دور في السابق، فيتخلص منه عادة منذ البداية
كان عليه أن يكون أكثر رأفة.. هكذا شعر. لماذا كل هذه القسوة التي يمارسها على رأس الثوم وفصوصه، قطعها الصلبة لا تنزلق ولا تهرب، لكنها تذوب أو تشرب من المرق حتى تنتفخ وتهترئ
ماذا عليه ان يفعل الآن؟ بدأ الزيت الساخن يدخن ويطرقع فقعاته في انتظار حرق ما يضاف إليه. عليه ان يستعجل لرمي الثوم إليه وتهدئة غضبه
تردد، ثم اخذ فصين فقط.. هاله الفراغ الذي تركه في جسد رأس الثوم الذي ظل متماسكا، حاول إرجاعه دون فائدة، اضطر لتجريدهما من كسوتيهما بتؤدة ثم أودعهما الزيت الساخن، قلبهما هذه المرة بلطف، اشتم الرائحة النفاذة التي يتبادلها الجيران عند منتصف النهار، وشعر بالامتنان
نظر الى رأس الثوم الناقص.. واكتشف بأسى القسوة حتى في إعداد الطعام
15. 8. 2022
- سينما- قصة قصيرة بقلم د. مصطفى الضبع
- (بدون عنوان)
- “عودةٌ تحت ظل الغياب”
- أمان مؤقت – هناء بلال
- سُوَرٌ صباحيّة مي عطاف
تعليقات 2