باسمة حمود
لم أخبر صديقي حين التقيته البارحة عنّي
هو فعل
بدأ من حيث انتهيت مرّة و أخبرني قصص القرية التي غابت عني. و غبت عنها كليّاً بعد ذلك.. ذكر أسماء كثيرة كنّا يوماً نردّدها و ننادي بها.. و طارت بعد ذلك كما طرت في سماوات مختلفة. لم يبق سواه. مناضل قلت له.. لكنه لا يوافقني. يبدو سعيداً اكثر مني.. و أكثر من رفاقنا، “بل أنتم مناضلون”.. قال لي.. مناضلون و منفيّون و على وشك ان ننتهي.. ما كان عليّ قول كل ذلك. لم أسأله عن سعر كيلو البصل، في بلدي. و لا عن فاتورة الكهرباء التي لا تأتي، و رغم انه بسّط لي بعض الأرقام التي تصعد و تنزل يوميا في بلدي، لم أفهم. ما عدت من هناك كي أفهم.. هو اعترف لي أنني غير سعيدة هنا، و انا دافعت قليلا عن موقفي.. و دون أي اشارة مني فصّل لي أيّامي بالدقائق و الساعات.. و هزَّ قريبه رأسه إيجابًا. و كذلك فعلت قريبته! فنحن هنا منسجمون في أدقّ الثواني.. حتى تلك لا نضيّعها.. نحن هنا نلبس من المتجر نفسه.. و نأكل في المطعم نفسه.. نقف في صف طويل لنشرب القهوة نفسها.. و نشتري فاكهتنا في اليوم نفسه.. مفرداتنا قليلة، أحاديثنا مختصرة.. لا نجادل.. لا نعترض.. نعتذر كثيراً.. و ننتظر حيوانا صغيرا في الشتاء كي يخبرنا عن قدوم الربيع المبكر كما نتمنى.. هو الطقس نشرتنا الاخبارية الوحيدة.. و نعم يا صديقي نحن بالفطرة هنا مملّون
“هل تفكر في العودة و الاستقرار هنا” سألته. صديقي لا يفكر. صديقي الذكي جداً فكّر قبل ان افكر.. هو حيث هو ، قابض على الزمان و المكان… على الجبل و السهل.. على الهضاب و الوديان.. على شجر الزيتون في تشرين.. و زهر اللوز في نيسان.. و قبل الثلج كنت أسمع خطواته في السهل الواسع تسابق خطوات أخي في البحث عن الفطر مع الفجر
و بعد الثلج كان يسابق الينابيع في بيتهم الجبلي
صديقي لا يكذب كما كذبت. صديقي لم يهرب كما هربت. صديقي جار والدته. “تخيّلي” قال لي.. “تخيّلي لو كنتِ جارة والدتك.. “
غادر صديقي بعد ان ترك لي بعض الكتب و قد اعترف لي انه لو كان هنا لكتب كثيراً و قرأ أكثر.. كل شيء هنا يدعو الي الهدوء. قال.. أخطأ صديقي في تقديره الأخير. كدت أخبره أن في دوامة الروتين الذي نعيشه، نسيت كيف أتنفس هنا! و كلما أصابتني الأزمة تلك، أخذت على عاتقي مسؤولية تلقين جسدي على التنفس صح! حتى ساعتي الذكية تذكرني أحيانا بأن أتنفس
و اليوم بعد كل تلك المداخلات بين ما كان يمكن و كل ما حدث، ركبت سيارتي الى الثلج، اخترعه قصة مشوّقة من جديد… كقصص أخي و هو يقفز من شباك الى آخر و من نشرة جوية الى اخرى منتظراً اياه.. انا هنا أحب الثلج..ثلج الذاكرة البعيدة. لا يصدّقني أحد.. أما انا و ربما أكذب كذلك، ليس بوسعي الاّ أن أصدّق دهشتي
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي