مجلة غرفة 19 العدد 11

رئيسة التحرير
إخلاص فرنسيس

الصفحات تَتَراقَص أمامي، تسير الكلمات فِي دوْرتي الدَّمويَّة تَتَهادَى الحُروف بِأطْرَاف الأنامل، تَختَلِج نَشوَى كُلمَا تَدفَّق الحبْر على الورق، حَيْث لَا تشيخ ولَا تَصدَأ، الحيْرة تَقِف لِي بِالْمرْصاد بَينِي وبيْن صفحتي البيْضاء، جِدَار مِن أرق، وَقلِق، هل فِي قُدْرتي أفْكاري؟ قصيرٌ هُو الوقْتُ، هِي بِضْع كلمات يَهمِس هَامِس يَنَام على كَتفِي اليسرى، يَضحَك ساخرًا اِخْتاري، كَيْف أَستطِيع إِدرَاك مَا قد بثَّ فِي هَذِه الطَّبيعة، هَذِه اَلحُقول وَهذِه القفَار، وَهذَا الفضَاء الأزْرق الذي أَمامِي؟ خَلْف زُجَاج نافذَتي، سَرب مِن الأطْيار يَنتَهِز الهُدوء الحَذِر على الجبهات ليأخذ حَمَّام شَمْس، أَغبِطها، مَاذَا أَكتُب، يَمضُغني الألم، أعلِّل النَّفْس بِبسْمة القلم وَنشْوَة الحبْر، وَتَنهَّد الرُّوح وَذلِك اَلجُنون اَلذِي يدعى الكتابة، الذي يُعْتقني مِن نُحوِل الوهْم وضربَات الاسْتهْزاء، فِي مُحَاولَة لِلْعبور إِلى الجهة الأُخرى مِن الإنْسانيَّة المرْصودة لِلْقتْل. لَديْنَا شَهيَّة فِي قَضْم الضمِير، وَشَهيَّة لِخداع الذَّات، وَيقُول قَائِل “كيْ تَكُون يَجِب أن تَفعَل” مَا أنَا فَاعِلة؟ لَقد جاء الوقْتُ، نَفَحات الربِيع تَملَأ الأجْواء، رَعشَة عَجِيبَة وَنفْحَة الحيَاة تَسرِي فِي الأغْصان الجافَّة، اِجتهَد بِالْبَحْث لِتتمَّة هذَا الوعْد، بِغاية البساطة والْحماس، أَتسَلح بِالْأبْجديَّة تمْنحني التِّرْياق الشَّافي، وباسْم اللغَة والْفكْرة الخارجة عن التَّدْجين أَغمِس بِالْمَدى أَصابِعي، تسْتهْويني مَفاتِيح الكيبورْد، تَدعُوني إِلى حَفْل السِّيادة، أَتَبادَل وإيَّاهَا العزْف على أَوتَار الوقْتِ، أضفر اَلحُروف، أَبُثهَا حر أنْفاسي، تَكتُبني بِصرخَات مِن نار وَنُور الشُّعْلة الأُولى، تَقُول: يسْتهْويني السُّجود إِلى مُنْحدرات النَّفْس والْإمْساك بِالْخيوط التِي تُسَيرنَا، ألتهم الثِمار المحرَّمة، أَيهَا القارئ لِهَذه الكلمات، ويَا أَيهَا المسافر المُجنح بَيْن سُطوري، يَا شَبيهِي فِي الملل معًا نَشُق أَغوَار النُّصوص وَخَلفهَا نَختَبِئ، فِي كَفَّارة الحُروف، وفي معابدها نسجد، نَرقُب ، نُصْغِي ، نَنتَظِر تَجاوُب الأقْدار والْعطور فِي رهف الألْوان وضياء الكلمات.