د. محمد علي شمس الدين

اولا : ايهما أسبق الغناء (الصوت) ام اللغة؟
يلاحظ ان الطفل يغني قبل ان يتكلم كما يقول اللغوي الكبير الشيخ عبد الله العلايلي.. الموسيقى هي اصوات بفترات محسوبة زمنيا مع لحنmelodie وانسجام Harmonie وايقاع rythme في حين ان التعريف القديم للشعر هو أنه مخيلة مع الوزن.. وهو تعريف فلسفي يوناني ذكره ارسطو في كتاب الشعر ذكر المحاكاة والوزن واعتمد ه الفلاسفة والنقاد العرب مثل الفارابي وابن قتيبة الدينوري وصولا للجرجاني صاحب كتاب الوساطة وحازم القرطاجني الخ
وعليه كتب شعراء العالم القديم و الكلاسيكي قصائدهم باوزانها بجميع اللغات فالمعلقات موزونة والالياذة موزونة و والانيادة موزونة وملحمة كلكامش موزونة والشاهنامة للفردوسي موزونة والكوميديا الإلهية لدانتي موزونة …… وهكذا
ثانيا حدث في منتصف القرن التاسع عشر تحديدا في العام1855ان طلع أميركي يدعى وولت ويتمان Walt Whitman بكتاب سماه ” أوراق العشب” وفيه ما سمي بالشعر الحر التحلل من الوزن والقافية ورومانسية ادغار الن بو وينطوي على نصوص حرة مرسلة جذابة ذات معان خاصة وعامة واسترسال من ابرزها “اغنية نفسي”(song of my self) .. فيها فوضى شعرية مضبوطة وتداخلات نفسية ولغوية. في مختبره الداخلي. في ما يشبه التداعي الحر free association. اثار ضجة ورفضا لكن اعيد طبعه ست مرات مع بعض الإضافات قبل رحيل ويتمان العام “” 1898

يجدر ذكر ان ويتمان سبق ت. س اليوت صاحب الأرض اليباب وسبق بودلير في باريس الذي كتب سويداء باريس وأطلق سؤاله : هل يمكن أن نشتق من النثر قصيدة؟ ” في ما سماه” قصيدة النثر poemeen prose) l). وقبل ارتور رمبو…. كانت دعوة الشعر الحر هذه فاتحة زمن جديد في الشعر يمتد حتى الان… كرمت ويتمان المنطقة التي ولد فيها على ضفة نهر هدسون في منطقة لونغ ايلاند بحديقة على اسمه يكتبون في ذكرى ميلاده كل عام بعض قصائده من أوراق العشب ويعلقونها على الاغصان
ثالثا لا يمكن إنكار ان شعراء من العالم كتبوا قصائدهم الحرة بجمالية عالية مثل نيرودا ولوركا و اليوت. وريتسوس واوكتافيو باث. ومن الشعراء العرب الماغوط وانسي الحاج وشوقي ابي شقرا وسركون بولص وعباس بيضون ووديع سعادة… الخ لكن يبقى سؤال في الموسيقى والشعر يطرح نفسه بالحاح وهو الخروج على الانتظام الموسيقي … الذي لم يمنع الشعرية من التحقق لكن ماذا لو تحققت هذه الشعرية العالية من خلال الوزن؟
الشعر الذي يجيب عن هذا السؤال حاضر وشاهق يكفي ان نعد في العربية المعاصرة السياب والبياتي وادونيس ودرويش وحجازي وعبد الصبور وحسن عبدالله وعفيفي مطر.. الخ الخ. وبشكلون قلب الشعر العربي المعاصر وحقيقته الطاغية والنماذج التي لا يمكن غض الطرف عنها. اذن قصيدة النثر اضافة في الشعرية لكن الشعر هو كل اشكاله

“الخبز والماء”: الخبز والماء ونجدة السماء

رابعا هل الوزن شكل؟ بالتاكيد لا.. وهو لم يكن كذلك حتى في الماضي. ابن الرومي يقول ذلك وحتى ابو العتاهية قال انا اكبر من الأوزان. ولكن حين يدخل الوزن مهما كان في تأليف الموسيقى للقصيدة يصبح عنصرا ملتحما بجميع عناصرها بل لعله المركب الذي يحمل كل شيء في البحر ، واخيرا لنتفق او نختلف ان التجريب والخروج على النسق اساسي في تطور اي معنى. او اي فن في التاريخ
ذلك يقودنا لفكرة الموسيقى التجريبية musique concrete والشعر التجريبي وله حديث لاحق