جدو ماهر
تتراص الحروف في طابور انتظارا لانتقائها، حالمة بأمسية براقة تُقرَأ فيها على منصة راقية تهتز من جراء تصفيق حاد وتحية طيبة تثلج صدره فرحا
يمر عليها خياله الخصب بنظرة ثاقبة تنفُّذُ في أعماق تركيباتهم الشكلية تمنحها توردا وبهاءً
تتراوح المشاعر ومابين مراوغ للاختباء خشية خلطه مع أخيه بالخطأ مع أخيه مما ينتج جملة نكراء لا تفيد أو زائدة يجب حذفها، والآخر ساعيا فاتحا همزته ناصبا قامته بغية اختياره؛ فمنه البداية وإلى شقيقه الانتهاء
تتواتر الأفكار لاهثة مع تدافع الحروف مسكوبة مدادا على ورق جاف، وسط مدات أنامله على خصلات شعره الأسود المشهب الذي يروق لصغيراته عند مداعبته لهن
تتساقط طفية سيجارته على سطح مكتبه متناثرة من جراء هواء مروحته، مما يثير غضب زوجته حاملة فنجان قهوته المرة : “مش كنت عملتلك عصير يرتقان يروّق أعصابك بدل البن ده اللي بيسهرك ع الفاضي ..عيني عليّ ..ولا طفية سيجارتك اللي مبهدلة السجاجيد في كل مكان وقالقة نومي من كحتك طول الليل “
يرد في ابتسامة صفراء مما يزيد من حدة ثروتها هامسا : “جاهلة”
ــ هه ..كنت بتقول حاجة؟
مبتسما: لا ..لا أبدا
ــ طيب ..أما أروح أنا بقى أشوف اللي ورايا
ــ قبّحكِ الله ..أفلتِ مني بنات أفكاري..وهيهات من تجميعها مرة أخرى
تتراقص الحروف مرحة ممسكة أطرافها في دورات متعاقبة، الألف تتمايل داخل تجويف الياء بطة نتيجة اهتزازها للخلف والأمام، بينما تتقاذف بقية الحروف النقاط فيما بينهم لتغيب هوية الحروف المنقطة ، فلم تعد تستطيع تمييز القاف من الفاء ولا العين من الغين، وتبادلت الدال والذال مكانيهما في الكلمات غير عابئات بلجلجة القراءة ولعثمة نطق الكلمات؛ تخبطت الأفكار في ذهنه، فلم يعد مدركا ما خطّه قبلا وما يريد طرحه لاحقا، نحى قلمه جانبا..رافعا فنجان قهوته الباردة وعلى رشفة واحدة كان احتساؤه.زمادّا يده فوق رأسه، ساحبا روايته الوحيدة من رف مكتبه ناظرا عنوانها
” وردية هى الحياة ” واضعا إياها أسفل ذراعيه ساندا رأسه؛ ليغط في سبات عميق
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي