لم يُرَبِّنا أحد…
ثلاث بنات ، وأربعة أولاد ، لم يربّنا أحد…
لم تكن أمّي تملك الوقت لنا ، كانت دوما مشغولة بالأنين وبالدّموع الحارقات ، والتّوسّل لأبي ، ليكفّ عنها أذاه…
لم يكن أبي يملك الوقت لتربيتنا ، كان مشغولا بعشيقته وبتعنيف أمّي ، والمقامرة في حوانيت الّليل بأغنامنا ، الّتي نرعاها نحن الأطفال الصّغار…
علّمني عمّي القرآن قبل بلوغي السّادسة من عمري الدّامي…
كنت أوّل من يغشى المدرسة من إخوتي ، وبأمر من ذات الأبّ ، الأشدّ قسوة في العالم ، أغادرها بشهادة إبتدائيّة بائسة ورخيصة…
تشرّدنا نحن الذّكور ، ثلاثة أشقّاء إثنان منهما سَلَكا دروبا مشبوهة ومريبة لا تُرضي أحدا ، لكنّني (أتحدّث عن نفسي) ، إخترت طريقا لا أسيء فيه لأحد ، أشتغل في حظائر البناء ، أقرأ الكتب بوحشيّة نادرة ، أَسْكَرُ كصحراء ، أدخّن كقطار قديم ، وأكتب كأن لا حياة بعد ذلك…
كلّ الّذين أحببتهم بصدق (نساء ورجالا) ، أحببتهم بصدق خرافيّ…
كلّ الّذين كرهتهم بصدق (نساء ورجالا) ، كرهتهم بصدق خرافيّ ، لكنّني -والّله يدري- أنّني لم أتمنّى الأذى لأحد منهم…
تزوّجتُ شاعرة كبيرة (طلّقنا بعد ثماني سنوات)…
أنجبتُ أحلى بنات الكوكب…
تعثّرت بأحباب على غاية من فتنة الرّوح…
خمسون عاما صدّقتُ خلالها قلبي ، لم أخجل يوما ممّا قاله قلبي…
أنا من أنفق السّنوات محبّة ، وعن طيب خاطر ، صحبة شاعر تونس الكبير (رضا الجلّالي) ، أنا من عاش لياليه قبل أيّامه فوق أسطح العاصمة التّونسيّة الكئيبة بكلّ شتاءاتها…
أنا من وفّرني البوليس التّونسيّ (الوقور) كمادّة للتّسلية رفقة رضا الجلّالي…
حالفني الحظّ مثلا ، أن أكون صديقا لشاعر عربيّ كبير ، يُدعى هاني نديمكتبتُ كلّ شيء عَدَى عقود الزّواج ، حصدتُ ثلاثا وثلاثين جائزة أُولى ، طبعتُ سبع مجموعات شعريّة أحبَّها النّاس…
ما أصابني من كوارث لا تتحمّله سوى الجبال و…أنا…
كبرتُ ولم يربّني أحد سواي…
حدث لي كلّ هذا ، ومازلت حيّا…
حيَّا على الحياة.