نهى عاصم
غلاف غني بالألوان لرجل يرتدي قميص كله ورود ويمسك في يديه رغيف خبز
ومن الخلف تطالعنا كلمات مباغتة عن القرية والخال ميلاد الذي عكس دوره في المنزل مع زوجته ولم يهتم حتى همس له ابن عمه في أذنه بالقيل والقال، فماذا سيفعل في مجتمعه الصغير هذا؟
يهدي الأديب روايته إلى عدة أشخاص منهم نفسه
ثم يذهب بنا إلى مشهد بعنوان المخبز يبدأه بمثل ليبي”عيلة وخالها ميلاد” عن الرجل الذي لا يملك السلطة في بيته وهو إلى ذلك يقدح في أخلاق النساء أنفسهن كما يقول الكاتب
❞ تزحلقتْ يدي وهي تضغط على ضلوعي، لأطمئن على وجودها جميعًا في مكانها الصحيح. شعرتُ لوهلةٍ بأنّني أخطأت العدّ، ربّما يكون هناك ضلعٌ ناقصٌ ❝
هكذا هو احساس رجل استيقظ في الصباح منتظرًا وصول شخص ما إلى بيته فقام بتنظيف المنزل وإعداد كعكة بالفواكه وها هو يعد الشاي بأعواد القرفة كما اعتادت زينب زوجته في أيام زواجهم الأولى
ميلاد طفل ولد وسط أربع من البنات كانوا معظم أصدقاؤه، خباز ورث الكوشة”المخبز” من والده الذي أخذها أو سرقها كما يقال من صاحبها الإيطالي الذي عاد إلى إيطاليا حينما صارت الجماهيرية الليبية.. ثم جاء عمه ليسرقها منه
خباز يثابر لسنوات يخبز ويرمي خبزًا لم يستطع أن يجعله مثلما كان والده حتى اليوم الذي نجح فيه وشم رائحة خبز الشيباتا الإيطالي كما كان يشمه ويتذوقه من والده
ميلاد يمثل نوع من الغضب على عدة أشياء، تمنى لو يصاب بالصمم كلما استمع لصراخ والده في أمه أو عمه في المخبز، وحين سرق عمه منه المخبز شعر بالخيبة والخذلان وبأنه أصبح بلا سند أو فاقدًا لرجولته
ميلاد يمثل صرخة للأب الذي يترك ابنه لأم وأخوات بنات يقمن على تريبته ثم يصرخ بعد فوات الأوان حينما يعرف أنه يضفر لهن شعورهن ويقوم بنزع شعر أرجلهن وصنع حلوى الشعر بل ويشتري لهن أشياء خاصة من الصيدليات.. حتى ابن العم كان يستغله أسوء استغلال ولم يدرك الأب هذا في حينه
ميلاد لا يهتم بمعايير المجتمع للرجولة، فاستقال منهزمًا ورضى أن تعوله زوجته
يعتقد الأباء أن العسكرية هي علاج المراهق المدلل المتشبه بالبنات، ولكن ما يحتاجه هذا الشاب حقًا هو علاج نفسي وليس الذهاب للعسكرية ليكون لعبة في أيدي جندي بالمعسكر والذي صرخ حينما شاهد ميلاد وشنطته الحمراء: “لدينا فتاة في المعسكر”
ينتقل الكاتب بنا في الأزمنة فمرة يتحدث عن الحاضر ثم ينتقل للماضي ليذهب بعده إلى ماض أبعد ويعود للحاضر ..
الشخصيات في الرواية كثيرة ولكنها قليلة التواجد، أكثرها تواجدًا هو ميلاد وزوجته زينب والعبسي ابن عمه والمدام والصحفي الغامض الذي كان يحكي له ميلاد حكاياته
يفكر ميلاد في الانتحار مرات ومرات إلا أنه في مرة يتذكر أنه ترك عجينه في المطبخ، فمن للعجين من بعده؟
للخبز والعجين حكايات وحكايات ورموز مختلفة قد يستخلصها القراء
فالأخت صالحة تقول عن ميلاد أنها عجنته وخبزته، وميلاد وزينب جعلا منه مادة للحب، ويعامل ميلاد الخبز والخمير معاملة خاصة إذ يشبه العجين اللدن بالطفل أو العجن بلقاء الحبيبة، ويرتدي الثياب الجيدة عند إعداد رغيف جديد إذ يحب أن يراه الخبز بأحسن حال.. هو مهووس بالخبز وصناعته
❞ إنّ مزاجي مرتبط بالخبز على الدوام. لم أرتبط بأيّ شيءٍ آخر في حياتي بأكملها كما فعلت معه. ❝
❞ كانت الأبوّة حلمًا مرتبطًا بالخبز. لطالما أردتُ أن أطعم أطفالي ممّا أنتجه، أن أرى الحماس واللهفة في أعينهم، بينما يقفزون حولي ينتظرون أن ينضج خبزهم. ❝
❞ - ما يأكله مجتمعنا لا يعدّ خبزًا، إنّه كائنٌ مشوّهٌ، الخبز الحقيقيّ مصنوعٌ بحبٍّ، تخيّلي لو أكلتِ يوميًا من خبزِ أمّك؟ ❝
❞ كنتُ أعتقد أنّ كلّ البناتِ في طرابلس كالعجين يمكنُ تشكيلهنّ حسب ما تريد، لكن ها أنتِ تثبتين لي العكس»، ❝
❞ لكنّ الكرواسون، إنّه… إنّه شيءٌ يشبه الرومانسيّة. ❝
❞ ربّما الهدف الوحيد الذي أردت تحقيقه هو أن أخبز أكبر قدرٍ من أشكال الخبز. ❝
❞ وهذا ما أحتاج إليه عند البدء في العجن والخبز، أن أكون راضيًا عن نفسي، تاركًا أفكاري في حقيبةٍ خفيّةٍ أرميها خارج المطبخ قبل الدخول، كما أترك عجلة الزمان تدور كما تشاء، فأنا على موعدٍ غراميٍّ مع فتاةٍ جديدةٍ أحتاج في ❝
❞ وأبدأ العجن بيدي. أنا أحبّ فعل ذلك. يمكنني التّفاعل مع المكوّنات، وتحسّسها وإرسال حبّي إليها وجعلها تشعر بما أشعر به، بدلًا من المغرف. ❝
الرواية تدل على خبرة وقراءات جيدة للمخبوزات والبيتزا وشتى الأطعمة.. فمثلًا هو ينصح من يصنع البيتزا بعدم وضع البيكنج بودر في العجين أبدًا
بالرواية ألفاظ جنسية ومشاهد محوها من الرواية لن يؤثر فيها أو يقلل من قيمتها، فهي تسيء إلى كاتبها أكثر من أن تفيده
ختم الأديب روايته بصورة قد تفاجيء بعض القراء ولكنها لما تفاجئني فميلاد كان لابد له من رد فعل يساوي كل ما مر به
من المقولات التي أعجبتني بالرواية
❞ أنا من جيلٍ أنصت للراديو وأشرطة الكاسيت أكثر من إنصاته لكلمات والدَيْه. ❝
❞ أبي لم يجلس يومًا في السفرة نفسها مع أمّي، رغم كونه من عشاق أمّ كلثوم ❝
❞ عدتُ إلى رغيف خبزي. وضعته على الطاولة بعد أن خفّت الحرارة التي تحثّ بخاره على الرقص في الفضاء. ❝
❞ فالخبز في مرحلة العجين كائنٌ حيٌّ مثلنا، يتنفّس، يتحرّك، إنّه مليءٌ بالمشاعر، قد يغضب العجين فيفسد خبزك، قد ينمو جيّدًا، قد ينمو مشلولًا. ❝
وفي النهاية تمنياتي للكاتب بالمزيد من الإبداع