أسماء القرقني
تسللت رياح كانون الثاني القاسية من شقوق النافذة ، اصطدمت برودتها بوجهي وأنا أقف أمام المرآة أعدل خصلات شعري الطويلة النافرة وأهذّب مظهري الخشن المهمل دون جدوى ،،، لم أتفحص محياي في المرآة منذ فترة طويلة ،شعرت بالحزن وأنا أتأمّل التغيير الكبير الذي طرأ على ملامحي ، جفنان محتقنان لا يلتقيان إلا خلسة ، وجنتان ضامرتان تبدو عظامهما بارزة بصورة منفرة ، شفتان يابستان ، نظرات تائهة
يالهذا الضجيج المزعج ، مازالوا يضعون اغاني واهازيج النصر ! زفرت بسخرية ، اطفأت الراديو بغل ، يكفيني ضجيج لومها وتأنيبها ونعوتها القاسية
( ماذا دهاك؟ هل جننت ؟ صار النوم بجانبك محنة)
لم تراودني الرغبة في الخروج والكلام إلا عندما سمعت أنّ صديقي قد عاد من غربته بعد غياب طويل ، خرقت تلك العزلة التي فرضتها على نفسي ، تحرقت شوقاً لرؤيته وبث حزني وشكواي بين يديه لعله يشعر بي
جلست في المقهى الذي كان أثيراً لدي، رحمة الله تتغمد رفاقي ، كان أغلبهم من السرية الخامسة لأحد كتائب جيشنا. ، كم جلسنا هنا وعلت ثرثرتنا ومزاحنا ،ذهبنا للحرب جميعاً لكنني عدت وحدي ، شعرت بهوة في قلبي وأنا أتأمّل أماكنهم الخالية ، سرت في جسدي رعشة هائلة وأنا أراهم يتجسدون أمامي ، يقتربون مني واحداً تلو الآخر ، يقتربون كثيراً ، نظراتهم تطفح غضباً ،أغمضتُ عينيّ بقوة لأبعدهم عن مخيلتي ، بلعت ريقي بصعوبة ، جمعت شتات نفسي بمشقة ، أخذت أتلهى بتفقد المكان من حولي ودموعي تهطل بلا توقف، شعرت انه اصبح ضيقا يكتم الأنفاس ، أُسدلت على النوافذ ستائر سوداء طويلة حجبت نور النهار ، ووضعت اجهزة تكييف حديثة بدل المدفأة العتيقة ، لكنها لا تعمل على مايبدو فرجفة البرد لم تفارقني ، وحدها الكراسي المخملية ظلت على حالها ولم تتغير
- //على صدري يمناك // مي عطاف
- في محاولة لقتل النحس نص ولوحة سهى المحمدي
- إنه لا يؤلم إنها لذة لم تدركها – صلاح عبد العزيز
- اقتراحات -سعيد العكيشي/ اليمن
- .. رسائل العشق الممنوعة من الصرف ..بقلم/ ثراء الجدي
جلس رفيقي واجماَ بعد أن صافحني بحرارة ،، سألني عن حالي وصحتي ..و عن مصائر بعض رفاقنا ممن شهدوا الحرب فهو لم يهتم في غربته سوى بتفاصيل انتصارنا فيها
تمعن في هيئتي
-تغيرت كثيرا
هذه الجملة التي كنت أخشاها، وفي نفس الوقت أتوقع سماعها
– أعرف ،،ربما عليّ أن أسرد لك أحداث ذاك اليوم لتعرف
أخذت نفساً عميقاً قبل أن أضيف
-قيل لنا إنّ النصر لا يفصلنا عنه سوى خطوات بسيطة ،،،الفرحة جعلتنا نراه أمامنا رغم ازدحام قبور أحبابنا من حولنا ونتن رائحتهم التي لم يفلح في سترها الدفن العشوائي
توقفت قليلاً لأبلل شفاهي الجافة ،و ألتقط خيط البداية ، كانت تصل الى لساني وتتراجع ، لم اجرؤ على البوح
-بلّغنا آمر كتيبتنا تلك الامسية أن لديه معلومات من القيادة تؤكد أنّ أقوى وأشرس سرية للعدو توجد في الوادي الجنوبي ، وبالقضاء عليها سيكون الإنتصار قاب قوسين أو أدنى
ضربنا النيران بكثافة ، بطريقة جنونية ، لم نجد أي مقاومة ، إبادتهم لم تأخذ وقتاً لدرجة أُصبنا بالذهول بسبب غفلتهم وعدم استعدادهم
عندما هدأ كل شيء ، بدأت الحقيقة المروعة تتجلى أمامنا
من أبدناهم عن بكرة أبيهم كانت السرية الخامسة لأحد كتائبنا ، لا أستطيع أن أصف لك شعورنا ونحن نركض بين جثثهم ، نتفقدهم وصوت نحيبنا يشق سكون الوادي المشؤوم ، كان الآمر يردد بطريقة هستيرية
– المعلومات مؤكدة المعلومات مؤكدة
يومها فقدت صوابي لا اعرف ماذا حدث بعد ذلك ؟؟كيف وصلت الى قريتي ؟؟ولا في أيّ حال وصلت ؟؟ عام كامل اعتزلت فيه الناس عدا أهل بيتي
-وماذا عن الآمر؟؟
طأطأت رأسي في اسى وغمغمت بصوت خفيض
– يقولون إنه أصيب بالجنون
-هذا أقلّ عقاب له
ساد صمت ثقيل بيننا برهة قصيرة ،، شعرت بتلك الاعراض تعاودني ، وخز كالدبابيس يسري في جسدي رعشة في اطرافي ، اضطراب في نبضي
شددت على كفه بما تبقى لي من قوة ورجاء وأنا أهمّ بالمغادرة
– صدقني… الآمر معلوماته كانت مؤكدة