يعّد المجتمع العربي من المجتمعات النامية والمنسجمة مع التغيرات التي تتماشى مع تيارات التغيير في العالم.
من مظاهر المجتمع الجماعي أنهم يتقاسمون نفس المصير ويتعايشون ذات السيرورة وتحكمهم نفس الظروف بغض النظر عن الفوارق فيما بينهم والتي لا تذيب اندماجهم تحت نفس المصير الذين يئيلون اليه.
وإذا اتخذنا شهر رمضان مثالًا لما يمكن أن يحدث في فترة زمنية محددة ومكثفة في تنوع السلوكيات الجمعية، من خلال الشعائر والأركان والفرائض مثل وجبة السحور ووجبة ألإفطار صلاة الجماعة، صلاة التراويح، زيارة الارحام والأقارب وغيرها والمشاركة في تفاصيل أخرى مميزة لا تتكرر في السنة مرتين.
الصحة الجماعية
تواجه الأسرة العربية في العالم والمجتمع العربي تحديات كبيرة منها أزمة الصحة التي تتمثل في السمنة والسكري تحديدًا وذلك بسبب عدم تضافر جميع روافد المعرفة الكافية نحو إيصال الهدف وأسباب اخرى مرتبطة بنمط حياتنا الذي يتوزعُ بين مسؤوليتنا وبين مؤثرات اقوى من الاحاطة الشخصية والجمعية.
حين تجتمع الأسرة العربية على مائدةٍ واحدة، الملونة والمزدانة بأشهى الأطباق والمأكولات التي تفوق قدرة الفرد على تناولها في غالب الأحيان، يتناولون نفس الطعام ويتشاركون نفس الرغيف.
وتضعف إرادة مرضى السكري على وجه الخصوص مقاومة تيار الأكل الذي يتسبب بارتفاع نسبة السكر في الدم بسبب المجموعة ولا يجد أمامه سوى تناول الأدوية وحقن الانسولين كتدخل طبي من أجل الموازنة والاستمرار بنهج غير صحي وهذا بحد ذاته أزمة لا خلاص منها بسهولة.
دور الاعلام في توجيه الاسرة العربية
من التحديات المميزة أيضًا في توجيه الأسرة العربية نحو الحياة الصحية هي التضليل الإعلامي أو ما يسمى “الحقن الإعلامي” للرسالة، اذا تعتمد القنوات والفضائيات الكبيرة في تمرير رسائل كولونيالية بقالب مجتمعي، نفسي وأحيانًا شعائري، حيث تؤثر على سلوك المشاهد وتُسهل عليه الوصول في تناول الأكل المحلى وشرب المشروبات الغازية والمحلاة بالسكر وتناول الحلويات والسكريات بكميات هائلة لتصبح مع الوقت كأنها واقع لا فرار منه!
وتنتقل هذه الرسالة المضللة من جيل إلى جيل حيث تتناول الدعايات الإعلامية صورة الأجداد والأحفاد وكأن قارورة العصير أو الأكل الدسم هو متوارث من جيل إلى جيل والحفاظ عليه من مقومات استمرارية الرسالة عبر الأجيال، بل وتذويتها لتصبح جزءًا لا يتجزأ من التهيئة الاجتماعية. وهذا التضليل يدفع ثمنه المشاهد العربي عبر فواتير الأدوية وحقن الانسولين.
وبالتالي العائلة التي تحتوي على أشخاص سمينين من الصعب على أحد الاشخاص ألا يكون سمينًا؛ ذلك لأنه يكون جزءًا شاذاً، والعكس هو الصحيح لكي يكون مقبولاً وطبيعياً.
المرأة … مسؤوليات في كف واحدة
لا يختلف إثنان على أهمية دور المرأة في إدارة دفة التغيير في شهر رمضان المبارك على وجه التحديد فهي من تقوم على إعداد الوجبات وإعادة منظومة الحياة بجدول زمني مميز.
فمن واجبها أن تدرك أن إعداد الوجبات يجب أن ينسجم مع افراد الأسرة، منهم من هو حساس للجلوتين أو مرض سكري او من يعاني من امراض وحساسيات أخرى.
وعي المرأة وتداركها وإلمامها بما يجب أن تحتويه الوجبات وكيفية صياغة وإعداد الوجبات وتهية الأجواء في البيت هو مسؤولية كبيرة وأي تغيير يجب أن يكون توافقيًا ومعقولاً ويسيرًا من أجل الحفاظ على نسيج الأسرة الواحدة وهو بالأمر غير الصعب، ولكنه يحتاج أيضاً إلى جهود وذكاء معرفي وسلوكي.
تطوير الصحة مسؤولية مشتركة
الصحة هي القاعدة الأساسية والإنسانية التي تنمو بها كل مداركنا البشرية وتسمو بها مجتمعاتنا وأفرادها، إلا أننا نعاني في المجتمع الجماعي من أزمات صحية يقف على رأسها وباء السكري! الوباء القاتل الصامت حلو المذاق، السكري داء العصر، نأكله ونتلذذ به ونشربه باستمتاعِ كامل ولا نستيقظ من غفلتنا إلا بوخز الانسولين ونقول حينها آخ!
لتعزيز من حياتنا الصحية برأيي يجب أن نتقاسم المسؤولية جميعاً كما نتقاسم وجبة الإفطار، أن نساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا للتحديات أمام الامراض وفي دعم السلوك البنّاء، أن يتجند الإعلام المرئي والسمعي ويصور لنا الماء على أنه المثال الحقيقي للصحة وليس المشروب المحلى بالسكر أو العصير الاصطناعي وغيرها. وهذه دعوة أن يستمر أطباء الاسرة بالذات بأخذ زمام المسؤولية ويصبح تحدي المرض مسؤولية مشتركة لجميع أفراد الأسرة.
التنور الصحي (Health Literacy)
يعرف على أنه مستوى النشاط وقدرة الفرد على الإنجاز ولتوظيف المعرفة الصحية الاساسية لاتخاذ قرارات ملائمة بشأن الصحة. هذا التعريف يفترض ان السكان الذين لديهم تنور صحي ملائم يستطيعون اتخاذ قرارات أفضل بشأن اسلوب حياتهم ورفاهيتهم. بالاضافة لذلك، التنور الصحي المنخفض هو مؤشر الذي يتنبأ مقاييس صحية أكثر
بالاضافة لذلك فان معطى الوزن الزائد والسمنة التي تسبب امراض مزمنة. فضلاً عن ذلك فان عدم الاهتمام بجودة حياة ونمط حياة صحي مثل النشاط الجسماني بشكل منظم، تأهيل بعد سكتات قلبية والإقلاع عن التدخين وغيرها هي عوامل متشابكة ومتأثرة من قبل التنور الصحي.
وأحيانًا أن نحدث تغييرًا بسيطاً يئيل إلى تغيير كبير وعميق. والتنور الصحي هو قيادة المعرفة نحو نهج حياة أفضل.
حيثُ أن تطوير الصحة هو الذراع اليمنى للطبيب والرئة التي يجب أن يتنفس منها الطب.
ان موضوع التنور الصحي وتذويته لدى المجتمع العربي يجب ان يكون جزءًا من مشروع صحة المجتمع ككل.
وتمنياتي للجميع بوافر الصحة والعافية