رواية الكاتبة المقدسية هناء عبيد التي لا تخلو من – الثرثرة – وهو مصطلح يطلق على الكلام الكثير الناتج ربما عن الكبت فيكون بمثابة اسقاط ما في الروح من ضيق .
الرواية ذات طابع حداثي تتجول بين فصولها العشر ترافق شخصياتها بشغف فهم قريبون جدا منك .
لا تكاد تترك الرواية حتى تعود اليها بسرعة لتواصل شغف التفاصيل التي تخصك ، تشعر كانك جزء من كل فصل فيها ، فنمط التواصل الاجتماعي والرسائل والية التفاعل بين شخصيات الرواية يبدو محببا وقريبا من القاريء الذي تحول بفعل التكنولوجيا وبرامج التواصل الى خبير في اساليب التواصل الالكتروني وبناء علاقات افتراضية سرعان ما تتحول الى واقعية حينما يتاح الوقت لذلك .
اسلوب الكتابة وفنية العمل الروائي هنا مختلفة بعض الشيء عن نمط الروايات التقليدية ، فالاحداث في مجملها لا تعرف مكانا محددا رغم ثبات الزمان تقريبا بفارق بسيط ، تجوب الأحداث عدة مدن ودول غزة ، القدس ، الخليل ، شيكاغو النرويج …. وغيرها ، تكاد تزور كل مدينة تقريبا وانت تتابع حركة الشخصيات وتفاعلها مع بيئآتها المختلفة في كل مرة تتنقل فيها بين ثقافات مختلفة أيضا.
فهنا وصف لغزة وحروبها وتفاصيل الدمار والخراب نتيجة الاحتلال وروعنته ، وهناك القدس بكل جمالها وقدسيتها تتربع على عرش السرد ، وكاني بالكاتبة تنحاز لعشقها لمدينتها كيف لا وهي المقدسية المهجرة ؟ ثم تعرج على الخليل حيث الجذور والعلاقات ووصفا جميلا يكاد يأخذك طواعية لقدسية توأم الروح وفندق الأمانة وشارع عين سارة واطلالته المميزة على الحرم الابراهيمي ومعاناته ، كل تلك المشاهد حاضرة في الرواية وفي شيكاغو – أمريكا حيث مقهى الثرثرة ولقاء الشخصيات المقتلعة من جذورها قسرا ، وحنينها المتواصل للوطن وأهله وتفقد كل ما يختص به من ذكريات وأشجان ولوعة وفراق .
كيف لا والرواية في مجملها رسائل الكترونية بين ابطالها فهذه سارة ترسل روايتها الحقيقية كاملة لصديقتها فتنشرها وتتحمس الكاتبة لنشر تفاصيلها بلا ادنى تفكير في النهايات الغير متوقعة ، مما يؤدي الى تحمل الكاتبة وزر تفاصيل النهاية والتي تكون جريمة قتل حسب ما ورد من المرسلة فتشعر الكاتبة بمسوؤلية عن كل فصل فيها تقريبا وترى نفسها مدانة امام القانون ، تكتبها سيرين بطلة الرواية وشخصيتها الرئيسية ، والتي يتضح في النهاية انها ذاتها سارة تراسل ذاتها ، ويتضح فيما بعد انها مصابة بمرض يجعلها تخترع شخصية اخرى تحاورها وتكتبها كشخص اخر في ذات الوقت .
خيال الكاتبة ادخلنا دوامة شخصية شوزفرينية ارهقتنا قفزا نحو النهاية . حوارات الشخصيات مدهشة تسبر روح الشخصيات ودقة ملامحها ، حتى تكاد ترسم تفاصيل وجوهها ، البطلة سيرين او سارة هي ذاتها الكاتبة لأحداث الرواية .
ما يميز العمل هنا أن المؤلفة تتشارك مع شخصية من شخصيات الرواية في كتابة فصولها ، تارة الكاتبة وتارة بطلتها سيرين ، وهي تخطو خطواتها الاولى في التأليف والكتابة ، تتواصل سيرين وشخصية أخرى أيضا لها باع في الكتابة الأدبية ، فاطمة الاديبة ، المغتربة ، وايضا وبالرسائل الالكترونية تكمل فصولها،تسبر غور اللقاءات الادبية الوجاهية والالكترونية ،وكأن الروائية هنا تنقلنا الى نوع جديد من التواصل بين الكتاب والادباء في عصر الانترنت والكتابة التفاعلية بشكل يوثق ويؤسس لادب يبدو مختلفا عن النمط التقليدي في الكتابة والتواصل لا سيما وان شخصيات الرواية تتفاعل بطريقة حداثية ، تجعل الروائية متميزة في هذا النوع من الكتابة .
رواية جديرة بالاقتناء ، حبذا لو تتم مناقشتها والوقوف على جمالية الابداع فيها.
مبارك للكاتبة إصدارها وفي انتظار المزيد االمتميز دوما