حين ترد على الذهن أغنيات مثل «وحياة قلبي وأفراحه»، و«أمرك يا سيدي»، و«بكره وبعده» سنقول إنها لعبد الحليم حافظ، وبالمثل سنقول إن أغنية «يا سلام على حبي وحبك» لشادية وفريد الأطرش، وعن فريد سنقول إنه من غنى «قلبي ومفتاحه»، و«اتقل..اتقل»، و«علشان ما ليش غيرك». وسنقول إن أغنيات مثل «ألو ألو إحنا هنا»، «حبينا بعضنا»، و«إن راح منك يا عين» هي لشادية، وسنقول إن أغنية «أمانة عليك يا ليل طوّل» لكارم محمود، وإن أغنيات «مال القمر ماله»، «تعب الهوى قلبي»، «ماما زمانها جاية» هي لمحمد فوزي، وإن محمد عبدالمطلب هو من غنى «ما بيسألش عليا أبداً»، وإن فايزة أحمد هي من غنت “ياحلاوتك.. ياجمالك”.
لكن كم نسبة من يعرفون أن كاتب هذه الكلمات المبهجة، الساخرة أحياناً، وسواها من آلاف الأغنيات التي قدّمت في الأفلام المصرية الأولى، بالأسود والأبيض، وكذلك في المونولوجات والسكتشات الغنائية هو الشاعر فتحي قورة (1919 – 1977) المولود في محافظة الشرقية، وعُرف بخفّة ظله وأسلوبه الساخر الذي انعكس على كلمات الأغنيات التي كتبها، وتغنى بها أشهر مطربي ومطربات مصر في زمنه، إذا ما استثنينا أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، اللذين بذلا جهداً كبيراً لدى الدولة لمعالجته حين فاجأه العمى في عينيه أواخر حياته، ورغم نجاح جهودهما، إلا أن تدخل الأطباء جاء متأخراً، ولم تفلح محاولات إعادة البصر إليه، حيث عاش آخر أربعة عشر عاماً من عمره ضريراً.
ويقال إن أحد أسباب عدم غناء أم كلثوم من كلماته راجع إلى حدّة طبعه، في رفض تغيير أي مفردة من كلماته قبل غنائها، وهو ما لا يتسق وطبيعة «الست» التي عُرف عنها إصرارها على تغيير بعض المفردات في القصائد التي ستغنيها، وإن كنّا لا نستبعد أن يكون السبب أيضاً في أن الحسّ الساخر والمرح لكلماته لا يوائم الطابع الكلثومي في الغناء.
كان منير مراد أقرب الملحنين إلى فتحي قورة، كون مراد يعشق هذا اللون من الغناء، لذلك كوّنا ثنائياً، والتقيا مع كثير من المطربين الذين غنوّا كلمات قورة، ولكن ملحنين آخرين لحنّوا له، بينهم محمد فوزي وعبدالعزيز محمود وعزت الجاهلي، طوال مسيرته الفنية التي شارك خلالها فيما يقرب من 170 عملاً فنياً، ناهيك عن آلاف الألحان المنفردة خلال عمره القصير، حيث توفي عن 58 عاماً فقط، مخلفاً منجزاً فنيّاً مهماً بكلماته المعبرة، ولم ينل من التقدير ما استحقّه، مع أن موهبته لا تقلّ عن شعراء مهمين جايلهم، وذاع صيتهم في تأليف الأغاني، بينهم أحمد رامي، بيرم التونسي، مأمون الشناوي، حسين السيد وغيرهم، ومثلهم فإن الذاكرة الفنية خلّدت الأغاني التي كتب قورة كلماتها، وما زالت تحظى بشعبية كبيرة.