19-04-2022 | 18:12 المصدر: القاهرة- النهار العربي هبة ياسين
لا يخلو موسم دراميّ عموماً، ورمضانيّ خصوصاً، من اعتراض بعض أصحاب المهن المختلفة على تقديمهم بشكل يرفضونه ضمن أعمال فنية، وخلال الأيام القليلة الماضية، تفجر عدد من القضايا في هذا الصدد، بينها عاصفة من الاستياء من جانب «نقابة التمريض» المصرية ضد المسلسل الكوميدي «الكبير أوي 6»، إذ تسبّب أحد المشاهد في غضب قطاع من العاملين بقطاع التمريض، معتبرين أن ارتداء بطلة العمل رحمة أحمد «شخصية مربوحة» لملابس الممرضة – في مشهد كوميدي ليلة زواجها ضم عدداً من الإطلالات – إهانة لمهنتهم
وتصاعدت الأزمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمّقت المناقشات داخل مجموعات مغلقة للممرضات على “فايسبوك”، وتضاربت ردود الفعل بين آراء غاضبة وأخرى ترى أنه غضب لا مبرر له تجاه مشهد كوميدي، وتفاعلت الأزمة بعدما أعلنت النقيبة العامة للتمريض كوثر محمود محمود، التقدم بدعوى قضائية، بوقف عرض المسلسل، تحت دعوى أنه تضمن إساءة واضحة للممرضة المصرية لفظاً وفعلاً، بجانب عبارات من شأنها التشهير بسمعة الممرضة المصرية. كما اختصمت الدعوى، وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، ورئيس الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية بصفتهما
اللافت أن المسلسل ذاته يضم منذ الجزء الأول به شخصية «دكتور ربيع»، حيث يقوم بيومي فؤاد بأداء دور الطبيب بصورة ساخرة، ومع ذلك لم يعترض الأطباء، بل يتعاطون مع هذه الشخصية بالسخرية والدعابة
استياء المهندسين
وبعدها بأيام قليلة، اعترض عدد من المهندسين، عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وضمن مجموعات مغلقة للمهندسين بسبب أحد مشاهد العمل نفسه “الكبير أوي6″، مطالبين «نقابة المهندسين» بالتحرّك واتخاذ موقف حازم على غرار «نقابة التمريض» ضدّ هذا المشهد الذي رآه بعضهم أنه يحمل إهانة للمهندسين، حين سأل جوني «أحمد مكي» مساعده هجرس (ما معنى مرمطون؟) فخشي أن يقول له المعنى فيغضب عليه، فأراد كسب وده وقال له معنى إيجابياً وهي «مهندس»، أي أن السياق لا يقصد إهانة المهندسين أو تحقيرهم
وهو الرأي الذي تبناه البعض الآخر من المهندسين، معلقين أن ثمة قضايا أكثر أهمية للمهندسين، وينبغي الانشغال بمشكلات حقيقية لا مفتعلة، وكانت نقابة المهندسين أكثر حكمةً من نقابة التمريض في التعاطي مع هذه المشكلة، فلم تنسقْ إدارتها خلف تلك الحملة المبالغ فيها
الأزهر يعلن غضبته
وفي السياق ذاته، انتقد «مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» مسلسل “فاتن أمل حربي”، للكاتب إبراهيم عيسى، متهماً إياه بـ”تشويه رجال الدين”، وتعمّد تقديم عالِم الدّين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل، الإمّعة، المعدوم المروءة، الدنيء النَّفس، العَيِيّ اللسان”، في إشارة إلى الدور الذي يؤديه الفنان محمد الشرنوبي لداعية شاب يعمل في الإفتاء، ما أثار حالة من الجدل، خصوصاً حول طبيعة العلاقة التي جمعته مع بطلة العمل (نيللي كريم)
وقائع متكرّرة
هذه الوقائع ليست جديدة بل تكررت طوال السنوات الماضية، ففي عام 2010، طالبت نقابة التمريض المصرية بوقف عرض مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة” تحت دعوى إساءته لسمعة الممرضات، وتقديم الممرضة وهي تبتزّ المرضى، وفي 2013 اتُّهم فيلم “الحرامي والعبيط”، بالإساءة أيضاً لمهنة التمريض من خلال تجسيد الفنانة روبي دور ممرضة تخل بالآداب العامة والقيم المجتمعية
وفي 2014، اعترضت السجّانات العاملات فى سجن القناطر على مسلسل «سجن النسا» لنيللي كريم، بدعوى الإساءة إليهن وتقديم السجانات بصورة غير لائقة
وشهد موسم رمضان 2019، قيام أحد المحامين في محافظة الفيوم برفع دعوى قضائية ضدّ صنّاع الجزء الثاني من مسلسل “كلبش” لأمير كرارة، لوقف عرضه، اعتراضاً على تقديم الفيوم بوصفها محافظة تضم وتأوي الجماعات الإرهابية
وتكررت الواقعة في لبنان عام 2019، ضد مسلسل “خمسة ونص” لنادين نجيم وقصي خولي، إذ تسبب العمل في مشكلة مع نقابة الممرضات والممرضين في لبنان، التي اعترضت على ظهور ممرضة مرتشية، تعرّض حياة مريضة للخطر، ما اعتبرته النقابة إهانة للمهنة والعاملين فيها. ما دفع الشركة المنتجة “صباح إخوان” المنتجة للعمل لإصدار بيان أكدت خلاله أن الأعمال الدرامية تنطلق من أرض الواقع إلى شاشة الخيال
هل اعتراضات النّقابات المهنيّة مبرّرة؟
اعتراض النقابات المهنية أو المؤسسات الممثلة للمهن المختلفة أصبحت ظاهرة مستمرة، وقد يواجه صناع الأعمال الدرامية الهجوم والانتقادات وحتى التهديد بوقف العرض، سواء من هذه النقابات أو حتى من سكان المناطق الجغرافية المختلفة، وخصوصاً الصعيد «جنوب مصر»، وهي أزمات مفتعلة لا تسفر أحياناً عن نتائج حقيقية بل تكسب الأعمال الدرامية مزيداً من الشعبية، أو قد تلتفت نظر الجمهور لمتابعته
يتجاهل أصحاب هذه المهن حقيقة مهمة، وهي أن المجتمع ليس ملائكياً، وهذه المهن قد تضم بين طياتها الصالح والطالح، كما أن الدراما تأتي بنماذجها من واقع المجتمع الذي يضم ألواناً وأنواعاُ مختلفة من البشر، فحتى العائلة الواحدة تضم أنماطاً مختلفة من الأشخاص، فلسنا مجتمعاً ملائكياً ولا نعيش في المدينة الفاضلة، كما أن دور الفن هو تقديم النماذج الخارجة عن المألوف لا العكس، إضافة إلى معالجة المشكلات وعرض الواقع ومحاكاة الحياة اليومية لا تقديم صورة وردية كاذبة
وقال الناقد أحمد سعد الدين لـ”النهار العربي”: “لا أرى مبرراً لهذا الهجوم من أصحاب المهن المختلفة، والمشكلات الفنية تُقدّر بمقياس فني وليس بالمقاييس العادية، وكل عمل له محدداته، والعمل الفني يخلق مجتمع كاملاً بما يضم من أشخاص صالحين أو طالحين، ويحق لصنّاع العمل الفني إظهار كل ما في هذا المجتمع بما يخدم الرسالة الدرامية”
وأبدى سعد الدين تعجبه حيال اعتراض أصحاب المهن على بعض الأعمال الدرامية قائلاً: “إنها أصبحت ظاهرة غريبة للغاية، فكل مهنة أصبحت تعترض على المسلسلات والأفلام، وهو أمر جانبه الصواب، إذ ينبغي إدراك أننا نقدم فناً دوره أن يتعرض للواقع أو لبعض الشخصيات بأسلوب فني، قد يتضمن شخصيات شريرة أو طيبة أو كوميدية، فالفن لا يعرض «سيرة ذاتية» للشخصيات، لكن يقدم أشخاصاً طبيعيين قد تكون كوميدية أو شريرة أو متوازنة، لأننا بصدد تقديم مجتمع فني، والمهم هو تقديم ما يخدم الرسالة الدرامية”