ابوبكر كارواني
اسم الفلم : هى فوضى
الدولة: مصر + فرنسا
سنة الإنتاج / 2007
الإخراج / يوسف شاهين – خالد يوسف
قصة وسیناریو وحوار / ناصر عبدالرحمن
مدیر التصویر/ رمسیس مرزوق
التصوير/ تامر جوزيف – مینا مرزوق
المونتاج/ لیلی فهمي
الموسيقى التصویریة / ياسر عبد الرحمن
المنتج / ماجد یوسف
شخصیات الفلم
خالد صالح، (حاتم) شرطي یمثل القوة التنفذیة والامین علی عرش الفاسدین علی يسكن في حي شعبي، تجاوره في السكن نور التي يحبها
منة شلبي، (نور) فتاة تعمل بالتدريس وتقيم مع والدتها
يوسف الشريف، (شريف)وكيل النيابة
هالة صدقي، والدة شريف
هالة فاخر والدة نور
عمرو عبد الجليل، (سامى)رئيس المباحث
درة، (سيلفيا) الفتاة المدمنة التي يحبها شريف
أحمد فؤاد سليم، المأمور
أحمد سامي عبد الله، (عم سيد)خادم القسم
هناك قصة قديمة جدًا عن الطبقة الحاکمة مفادها أن الحاكم وراس السلطة الأولى، دائمًا (يجهلان) ما يحدث في البلاد؛ يقول القائلین بهذە النظریة: إن المقربين من الحاكم (لا ينقلون إليه الحقيقة) لە أبدًا. ومن ثم ، فإن الرئيس ليس على علم بما یدور في الشارع وعند الجماهير
من یردد تلک الاسطورة، لایذکرون الأسباب الحقیقیة لهذا (الجهل)؛ فإنهم ، مثل المنظرين أنفسهم الذين يتحدثون عن عدم نقل الحقائق كما هي ، یقفزون فوق الاسباب (قفزة کنغریة) غیر رائعة !!! فهم یحاولون عدم حمل تلک الادواة التي یمکنهم في قراءة الشخصیات وسلوکیاتهم! والسبب اما الخوف من بطش الحکام! او هم یحاولون ان یخلقوا ویرسموا لوحة جمیلة من الحاکم ! او هم من تلک الفئة الذین عملهم یقتضي تجمیل وجە الحاکم لکي یکون مقبولا ! او ربما هم مجموعة (رقاقین) یرقعون تلک الامکنة من الواقع التي یتم سرقتها واخفائها او تغیرها من قبل الحاکم وازلامە! … من هنا انهم لایقتربون من الحاکم ولا يذكرون شخصية الحاكم نفسه ، ولا ينسبون البطش والارهاب و القتل والنهب و… الی الحاکم ! … ویذهب الامر بهم الی اتهام ولوم الشعب !!! ویتهمون الغلابة ويعتبرون الحاكم بريئًا
تبدا الفلم والمکان قد یکون شارع من شوارع في مصر ، ولکن ممکن لاي فئة معارضة في اي مکان من المعمورة، ان یتمکن ویجیش بعض الناس ویتظاهر… لذا من هذە الزاویة فمادة الفلم لاتخص مصر وحدها … ولکن مکان الحدث مصر… مصر الحضارة وام الدنیا
دون أي نقاش أو مقدمة للوضع السياسي واظهار (مسبباب) و (علل) ظهور عصیان الشارع ، تصبح المظاهرة هي المشهد الرئيسي للفيلم … ومن هنا تبدأ قصة الفيلم.
لا شك ان اللقطات والمشاهد التي تبدا بها الفلم ، في اللغة السینمائیة وعلومها، یقال لها اللقطة الاساسیة… اي الاساس التي تبنی علیها قصة الفلم کلها…
بدایة تبدا الفلم ب (النتائج) او ب(خاتمة) وب (نهایة) کل تلک العلل والاسباب التي (ادت) الی المظاهرة!!
من هنا ومنذ البدایة ، هنالک قفزة فوق الاسباب والعلل!
الطبیعي ان تکون کل قراءة او بحث عقلائي ان کان علی مناضد المختبر او فوق منصدة کاتب السیناریو، علیە ان یراعي التسلسل المنطقي للقراءات والابحاث… وان یبدا ب(المقدمات) التي في الافلام عادة تکون في الثلث الاول من الفلم و(عادة تکون في النصف الساعة الاولی من الفلم) ..فتخلق المقدمة او التوصیف لعناصر المکونـة للفلم وللقصة وللحدث
من هنا ومنذ البدایة، تحاول الفلم ان تقرا النتائج .. والدخول لقراءة نتائج الاحداث… خارقا بعض القواعد.. کاننا امام من لا یقرا الاحداث) (قبل حدوثها)
من هنا کاننا امام عقلیة یتعلم من خلال (التجارب)
تلک العقلیة التي یتعلم من الوقائع والاحداث المحیطة بها وتعلمها…تکسبها المعرفة.. من هنا (یتاثر) بالمحیط ولکن (لایٶثر) فیها… تنتقل الیە کل مخاوف المحیط وایحائاتها
من هنا فمنذ بدایة الفلم ومن عنوانها، جاءت تسمیة الفلم! … هي فوضی… هي واقع بلا علمیة… هي حرکة بلا فکر… هي بلا نتائج
من هنا قد تکون عقلیة القائمین علی المظاهرة ، لیست عقلیة علمیة و محرکة للاحداث و خالقة للواقع … ومن هنا المظاهرة مجرد ذریعة للفلم لکي یٶسس علیە موضوع الفلم
لذا فتلک المظاهرة، تشبە سیارة او حافلة لنقل المساجین! ففي المشهد نری تلک السیارة ویتابعها المخرج ویامر بتصویر تلک الحافلة! ولکن المشاهد، لایعلم بان موضوع الفلم لیست الحافلة… وحتی لیس هٶلاء الاشخاص الذین داخل الحافلة ایضا! .. بل الفلم تحاول تعریف بالمکان والسجن والسجان .. وماوراء ذلک
فذريعة الفلم (المظاهرة)، لن يلعب دورًا بعد الآن… فالفلم لایتحدث عن تلک الاسباب التي تٶدي للتظاهر…(لایقرا العلل) !! وکاننا امام (روایة ناقصة) للاحداث ! روایة ناقصة للفوضی … روایة لاتکتمل الا بتعریف الفوضی و الاسباب المٶدیة للفوضی … من هنا تسمیة الفلم، تکون ذریعة للتک الروایة الناقصة للاحداث
من هنا تظهر للعیان سٶالا : هل اکراە المشاهد علی قبول التسمیات من قبل ان یقررالواحد منا حتی الذهاب لرٶیة الفلم (من رٶیة پوستر الفلم) ، هل هي محاولة (لاطلاق تسمیة الفوضی) علی کل محاولة للتجمع الجماهیري والتحرک من هذا النوع وبهذە الصورة ؟
لم تجبرالمشاهد علی تلک التسمیة ؟ ولم علینا ان نقول هي فوضی برغم الشعارات الانسانیة ؟ ومن المستفید من تلک التسمیة؟
ربما بعد مشاهدة الفلم یمکننا الاجابة علی تلک الاسئلة
کل المظاهرات بلا استثناء، عند بدایاتها تعتمد علی العلل الحقیقیة و مطالب حقة …منها الاسباب الداخلیة : مسئلة الحریات وتقیدها… مسئلة ظهور الفجوات والمطبات امام النظریات الفکریة المطبقة علی الواقع… عدم وجود مکاتب سیاسیة وفلسفیة و اجتماعیة تلائم الواقع الموجود… ظهور ازمات اجتماعیة ، اقتصادیة سیاسیة … صراع الارادات والقوی الاکمة والمعارضة … عمل الجماعات الضاغطة واللوبیات والتکتلات و…ومنها الاسباب والعلل الخارجیة… صراع الاضداد والاقطاب العالمیة من اجل السیطرة علی العالم…وجود مصادر الطاقة الحیویة للعالم في البلد… الاهمیة الستراتیجیة والجیو سیاسیة للمنطقة… انتقال الازمات العالمیة للداخل…المصالح المتضاربة بین الخارج والخارج و الداخل والداخل و الخارج مع الداخل وبالعکس…ایضا المشاکل المشترکة لمن یعیش علی الکوکب منها المناخیة و الجغرافیة و… ویبقی بعض المشاکل علی راس القائمة اینما کان … فمثلا مشکلة (الهویة) مشکلة (الهجمات الثقافیة)… مشکلة (اذابة الارث الثقافي والحضاري) و (التدجین الجماعي) و(غسل العقول) و محو (الذاکرة) الانسانیة تلک العملیة الرهیبة لتغیر الاجناس ومد الید حتی للجینات وتغیرها … وما طرح النماذج المطلوبة في الادب والثقافة و السلوک و السیاسة و…. الا نماذج قلیلة من محاولات کثیرة في المجالات کافة لاستنساخ النموذج المطلوب الذي لا یمس بالواقع لکي یغیرە!!! فخوفهم دوما، من الذین یٶثرون بالواقع والمحیط ویغیرونە …
من هنا نتساءل: هل شاهدتم عللا واسبابا للمظاهرة ؟!!!
ربما یقول احنا : الم تری کل التعذیب و التجاوزالموجود في الفلم؟ الا یکفیک هذا لکي تصل الی تلک النتیجة بان النظام لایستحق الا التظاهر والقیام ضدە ؟!
اجل انە یستحق … ولکن کل ما رایناە بالفلم لم یکن سببا للمظاهرة! لان کل ماجرت من احداث في الفلم، کانت (نتیجة) متوقعة و(عقاب) النظام للمتظاهرین !!! اذن لم یکن تبیانا وتفسیرا و بحثا حول علل التظاهر واسبابها !! اي بمعنی آخر وکما قال حاتم : انهم ضد النظام وعلیهم ان یعاقبوا علی فعلتهم ! ولکن لم یقل لنا الفلم (لماذا) النظام السیاسي الحالي یعتبر عندهم نظاما سیئا !!! وهنا بیت القصید!! الفلم لم یتجرا ان یقول لماذا! فمجرد البحث في تلک الاسباب، سیخلق المشاکل ویعاقب القائمین علیها بما رایناە في الفلم !!! واظن انهم لم یکونوا مستعدین لذلک !
قد یتساءل سائل آخر : لو فرضنا جدلا باننا سننتج فلما یبحث اسباب وعلل المظاهرات، فکیف یمکن لفلم ان یتضمن کل تلک الاسباب حول نشوء المظاهرات والمعارضة والثورات دفعة واحدة وفي قصة واحدة فقط؟
اقول: هنا اهمیة العمل الجماعي و المهنیة والعلمیة في صناعة السینما… من یظن بان السینما مجرد ماکنة لطبع وانتاج المال، فهو واهم ! ان اهمیة الاسینما تکمن بانها قادرة علی تصویر الاحداث من (عدة زوایا) و(بعدة الوان) و(بعدة لغات) (مختلفة) في (آن واحد)
من هنا یمکننا ان نجد عدة روایات بلغات فنیة ذات الوان مختلفة في القصة الواحدة… فکل العناصر الموجودة في الفلم والمکونة للفلم، یحدد مکانە في الکادر حسب القرب والبعد…وحسب الاهمیة… وحسب التدرج (المکاني) و(الزماني) و (الوجودي) و(اللوني) وان کان انسانا او غیر جمادا حسب الاهمیة (الشخصیة) و(الحیاتیة)…وفوق کل ذلک ، حسب علم (الحرکة) بالمعنی الفلسفي ایضا
وایضا للمخرج رٶیة في سیر القصة… وللمصور او مدیر التصویر ایضا روایة خاصة قد تکون في بعض الاحیان (اهم) من رٶیة المخرج وحتی کاتب السیناریو! ف (نوعیة اللقطة) یمکن ان یقول لنا ویخبرنا بان سیروذهاب وحرکة الممثل تدل علی (الجبریة) او(الاختیاریة) من هنا یفسر التصویر ونوعیة اللقطة، تلک الحرکة في تلک البرهة من القصة… وهکذا اللون یفسر و الضوح یفسر و الموسیقی التصویریة للفلم ایصا یفسر و الممثل وبراعتە في الحرکة ، جزءا من التفسیر … والتفسیر اما یکون رویة للحاضر ام قد یکون للماضي او تنبٶا لما في المستقبل
من هنا، فبامکاننا ان نکتب سیناریو لفلم ما ، وان نسرد قصة لواقع ما ونبین الواقع ونعللە ونحللە ونظهر اسبابا کثیرا و نعطي کما هائلا من المعلومات للمشاهد … من هنا الدور التوعوي والتثقیفي والثقافي للفن السابع
من هنا اسال من شاهد الفلم : هل رایتم شیئا من هذا القبیل في الفلم یعلل و یفسر تلک المفاهیم التي تسبب في تحریک الجموع للتجمع والتظاهر وحتی الثورة؟
هل تلک القصة الواردة في الفلم وعدم قراءة الاسباب، کانت متعمدة؟
هل کان هنالک مٶامرة علی عقل المشاهد لکي (لایسمح لە) ان یقول بان المظاهرة (لم تکن) الا حالة طبیعیة ورد طبیعي للظلم او المعاناة او النهب او… ! ولها اسبابها المتعددة(السیاسیة، الاجتماعیة والنفسیة و…) التي تجعل حدوثها ممکنا والزاما ! ؟؟
لم حاولواان یقال لنا ان المظاهرة کانت نتیجة لاخطاء فردیة (اخطاء حاتم) في فهم و تفسیر معنی (الدولة) او (السلطة) او في تفسیر کلمة (القدرة) ؟ لم حاولوا ان یقولوا لنا بان التعذیب ناتج عن خطء شخصي ل(حاتم) الذي یظن وتوهم بانە (الملک) و(الحکومة
هل الفلم اراد بطریقة غیر مباشرة وذکیة ان یلتف علی عقل المشاهد ویقوم بتبرئة راس السلطة من کل الجرائم التي ترتکب في مفاصل الدولة الغیر المرئیة والمرئیة
بدا الالتفاف (الذکي والخفي) في الفلم عندما اراد ان یقول لنا بشکل خفي (ولکن واضح للعیان) بان المسٶل عن تعذیب ابنائکم ، هو شخص (من الطبقة الفقیرة) و (غیر متعلم) و(لایملک شهادة دراسیة علیا) … شخصیة (غیر مهمة اجتماعیا) ولا یملک وجها اجتماعیا مرموقا تحظی بالاحترام من المجتمع!! (مهمش) وخارج دائرة الذین (یٶثرون) في القرار و !!! وهو حاتم
من هنا ندرک لم لم تکن هنالک مقدمات لقیام المظاهرة…ولماذا وحین المظاهرة تظهر لقطات لکیفیة تحطیم عربات الناس الغلابة واظهار سباب المراة الواضحة للمتظاهرین
وحاتم ایضا ضحیة من ضحایا النظام وهو الذي تمکن النظام من مسخە وغسل دماغە
اما عن الشعب… هم دوما کانوا وقود الثورات ایضا…ولم یحکموا یوما
هل الفن و الادب في خدمة الجلاد ؟
شکرا للتوثیق والنشر