د. عبير خالد يحيي
مداخلة في غرفة ١٩ ندوة “التربية الجمالية في أدب الطفل
للأدب أهمية كبيرة في حياة الأطفال, فهو المتعة والتسلية والمعرفة والثقافة والوسيلة الإدراكية لفهم الواقع المحيط بالطفل بكل أبعاده المكانية والطبيعية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية, والأداة المثلى لبناء وتطوير ملكة التخييل عند الطفل, ما يساعد على فهم الحالات الشعورية الإنسانية والعاطفية والقيم الجمالية والأخلاقية, إضافة إلى ما تدخله اللغة من مؤثرات تنمّي الحس الجمالي والموسيقي والأدبي عند الطفل, وما تؤسسه من ثروة لغوية متنامية في عقل الطفل, وما ترفدها به بشكل دائم بطريقة التغذية الراجعة, بالألفاظ والأساليب والمحاكاة, والتي تمكّن الطفل من فهم الأدب بطريقة غير شعورية نتيجة لتأثره بها
وإدراكًا لأهمية أدب الأطفال كوسيلة وأداة هامة في نهضة المجتمع تمّ الاهتمام به وتطويره على كل المستويات, بما يتلاءم مع التقدّم والتطوّر الفكري والتكنولوجي المعاصر, فلم يعد هذا الأدب مقتصرًا على الحكاية التقليدية والتلقين القيَمي والتربوي والأخلاقي المباشر, بل تنوّعَ كثيرًا وخضع لتصنيفات عديدة مدروسة نفسيًا وأيديولوجيًا وبيولوجيًّا حسب المراحل العمرية, بدءًا من المراحل العمرية الأولى, إلى مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية, ثم مرحلة المدرسة الابتدائية والإعدادية وصولًا إلى مرحلة المراهقة, فلكل مرحلة أشكالها الأدبية التي تخاطب طفل المرحلة
لذلك يعتبر أدب الطفل من أكثر أنواع الأدب شساعة وتشعّبًا, فهو أدب متعدّد المجالات, ومتغيّر الأبعاد, وذريعة هذا التغيّر تعود إلى تنوّع المادة الأدبية فيه بين نثر وشعر ومسرح, ووسائل عرضها عبر شعر أو قصة أو حكاية مكتوبة, أو عبر تمثيليات وأفلام مصورة أو مسموعة, أو عبر مسرحيات مشخّصة, ويعود هذا التغيّر أيضًا إلى المادة العلمية والوسائل المقدّمة فيها, إمّا عن طريق المعلوماتية أو الاستفسارات والأسئلة والمسابقات التلفزيونية أو الإذاعية أو الرقمية, يضاف إلى نوع المادة تعدّد المرحلة العمرية والسن الموجه إليها هذا الأدب. يجمل الباحث المصري د. صلاح شعير في كتابه ( أدب الطفل وقيم البناء) تعريف أدب الطفل بأنه: كلّ ما يكتب للأطفال من قصص ومسرحيات وكتب مصورة ورسومات, وكل ما يسمعه أو يشاهده الطفل من برامج إذاعية أو تلفزية وأغانٍ وأناشيد وما إلى ذلك
وقد أشار الباحث د, صلاح شعير إلى أن لأدب الطفل عدّة أهداف, تتناول نواحٍ عدّة, منها الناحية الثقافية والروحية والقومية والعقلية والترويحية وكلّ مامن شأنه أن يسهم في بناء شخصية الطفل, وتكوين المعايير السليمة. وأشار إلى أن للمضمون الجيد شرطان هما
– أن يناسب مستوى الطفل, ومراحله العمرية
– وأن يصاغ بطريقة غير مباشرة تستهوي الطفل
ثم تناول بالبحث موسعًا العلاقة بين الأدب وعلم النفس, مستعرضًا أهم النظريات في تقسيم مراحل النمو النفسي الاجتماعي, ليخلص الباحث إلى نتيجة: أن المرحلة 12- 15 سنة هي مرحلة يكتمل فيها الإدراك العقلي, وهو إدراك تنقصه الخبرة, وعليه يكون هذا السن هو الفارق العمري بين الكتابة للطفل والكتابة للراشدين
تأتي القصة القصيرة في مقدمة الأشكال الأدبية المقدّمة للطفل, وأبرزها قصص الأساطير والخرافات, قصص الحيوان, القصص الشعبية, القصص التاريخية, البطل الخارق, البطولات الوطنية والدينية, المغامرات, القصص البوليسية, الفكاهية, الخيال العلمي, والقصص الواقعية. ولا يخفى أهمية التقنيات الفنية والبصرية للغلاف والصور وترتيبها ضمن المتن الحكائي, وربط البيئة المحيطة بالمحتوى القصصي, وضرورة تجديد الموضوعات بما يخدم القيَم التقليدية التي تنتمي للمجتمع التراحمي, وأخرى معاصرة تنتسب للمجتمع التعاقدي, تستوعب القيم الكونية الجديدة
رأيي الشخصي, والذي يمليه علي منهجي النقدي الذرائعي أن الكتابة للطفل هي أصعب أنواع الكتابة وأكثرها تعقيدًا, لأنها تلعب على وتر الطفولة, وعقلية الطفولة, وقدرة الكاتب الناضج على إقناع طفل, والعيش في عقله, وفي وجدانه, والوقوف على أهوائه وميوله, بمعنى أوضح أن يتّبع الكاتب استراتيجية التفكير بعقل طفل, يعرف ما يحب وما يكره, وأن يمتلك القدرة على تقمّص سلوك الطفل, أي أن يطبٌق استرتيجية التقمّص الطفولي, وهي من أصعب أنواع التقمّص النفسي, ينظر في سلوك الطفل حيال ألعابه, يراقب تصرفاته, ويرصد بأيّها يلعب وأيّها يقصي ويهمل, وهذا ما تقوم به شركات الألعاب الكبيرة للوقوف على رغبات الطفل واختياراته وما يروق له, لاختيار خطوط إنتاجها وضمان نفاذها في أسواق البيع دون أن تتعرض لخطر الكساد, وهذا ما ينطبق تمامًا على أدب الطفل الجيد, بذريعة أن يضمن الكاتب (كمنتِج) مقبوليّة الطفل (كمستهلك) لعمله الأدبي ( كسلعة جيّدة), وعلى ذلك يكون الخيال ( كأسلوب) والغرائبية ( كموضوع, يمكن إدراج كل القيم التربوية والأخلاقية عبره), والعفوية والبساطة والسطحية الطافية في اختيار اللغة ( ألفاظًا وتراكيب) من أهم المقومات التي يبنى عليها نجاح أدب الطفل ذرائعيّا, ودونها تأتي المقومات الأخرى
غرفة 19
- مئة عام من العزلة – دراسة في الواقعية السحرية وتجليات الزمن
- Nietzsche’s Philosophy of Art and Beauty: The Will to Power and the Renewal of Life
- شرياني المُعَتَّق…!!سهيل درويش
- انقطاع التواصل بين الأجيال/ وتحولات الشعرية العربية في الألفية الجديدة”
- إنسـان فيتـروفيـوس- للفنان الإيطالي ليــونــاردو دافـنـشـي، 1487
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة