رسول عدنان
ناقد و شاعر عراقي
يقول الناقد دونالد ماكدونالد (وإذا كان الناقد راغبا في أن يكون مقدرا وذا قيمة، ومهتما كذلك بالوصول إلى جمهرة القراء، فعليه أن يكون تقويميا- – ينظر كتاب موت الناقد (أخذت هذا القول مدخلا لما أريد أن أنفذ إليه وهو متى يكون الناقد تقويميا ومتى يكون تأويليا وهل هو خيار للناقد أن يختار بين القراءتين؟ أو أيّهما ستكون أفضل لآلية تحليله للنصوص؟ ام هنالك عوامل تفرض عليه هذا الخيار؟ ام أنّ النص هو الذي يفرض عليه هذا؟ لقد اقترن مفهوم التأويل بنصوص ما بعد الحداثة وفق ما أنتجته المناهج النقدية التي ظهرت ما بعد الحداثة إو كما هو ثابت أنّ مفهوم النقد التأويلي قد اقترن بمفاهيم ما بعد البنيوية والتي عمدت إلى إقصاء القارئ من عملية إنتاج النصوص كالتفكيك والسيماء والتاريخانية الجديدة والتي منحت القارئ قدرا واسعا في تقاسم تأويل النصوص بعد أن جعلته البنيوية خارج هذه الدائرة تماما فجاءت مناهج التأويل بعد الدعوات التي أطلقها نقاد منتصف القرن الماضي مثل رولان بارث صاحب موت المؤلف وجاك دريدا صاحب لا شيء خارج النص هذه الدعوات التي قادت في نهاية المطاف الى مفاهيم عدّة كان أحدها التأويل وهو إعطاء القارئ حق المشاركة في تفسير النصوص و فيما يخصّ الناقد عليه أن يأخذ بتوجه النصوص وحدها و هي التي تملي عليه أي من القراءتين يختار لكن الحقيقة انّه ليس للناقد أيّ خيار بين القراءة التقويميّة او القراءة التأويليّة أنّما النص هو الذي يفرض عليه ان يحدد نوعيّة القراءة التي تتوافق مع معطيات النص من خلاله قراءته قراءة متأنية و تحديد مواطن الجمال والقبح و القوة والضعف في النص فبعد أن يقوم بقراءة النص قراءة أوليّة – القراءة الواحدة لا تكفي مطلقا- لتحديد زوايا النظر الى النص لكن على الأقل ان يقرأ النص قراءتين – – ففي كل نص قوة وضعف و ما يشّد و ما يدهش و فيه حشو و دور الناقد هو ان يعمد الى تحديدها و من ثمّ فلترتها بعين الناقد الحاذق المثقف المتمكن من أدواته العارف بما يكتب و عما يكتب المسلح بكل أنواع المعرفة في موضوعات الأدب شعره و نثره والفن وكل ما يمتّ الى عملية إنتاج النص سواء قوانين الخطاب الأدبي او من حيث اللغة و القواعد والأملاء وعلى معرفة عميقة بالأوزان التقليدية و كل ما يدخل عليها من زحافات و علل وكاملها و مجزوؤها و القافية و أنواع و عيوبها و ما يجوز و ما لا يجوز و على معرفة بعلم اللغة و القواعد والأملاء والأعراب وان يكون مطلعا على المعارف و اصول النثر و البلاغة و الفصاحة و المحسنات البديعية من تشبيهات واستعارات و كنايات و ضروب القول و اذا كان الأمر يتعلق في شعر التفعيلة فعليه ان يكون على علم بكل مفاصل البحور و مجزوءاتها و القافية و ضروبها و اذا كان النص يخصّ قصيدة النثر فعلى الناقد ان يعرف آليات قصيدة النثر سماتها و ما يجوز و ما لا يجوز فيها على سبيل المثال هل يحق لشاعر قصيدة النثر ان يستخدم أوزان الشعر التقليدية ؟ هل يحق لشاعر قصيدة النثر ان يستخدم أوزان شعر التفعيلة؟ هل يحق له استخدام القافية التقليدية في قصيدة نثر؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير مما يخصّ الشعر- – وأيضا هنالك أسئلة تخص بقية أنواع الأدب كالمسرحيّة بين المأساة والملهاة والرواية والقصة والنص المفتوح وغيرها وكذلك كل ما يخصّ الفنون بكل أنواع – – فالناقد يجب ان يكون ملمّا بثقافة حقيقية وعميقة في الموضوع الذي يكتبه عنه وهذا ما يسمى بأدوات الناقد كيف يحدد النص نوع القراءة؟ كما قلت في بداية هذا المقال انّ النص هو الذي يفرض نوع القراءة على الناقد ولن يكون هنالك خيار لدى الناقد الحاذق بالمطلق في تحديد نوع القراءة هل ستكون تقويمية ام تحليلية؟ من خلال قراءته للنص قراءة دقيقة وتحديده لأليات النصوص وأدوات المؤلف وطريقة تعاطيه مع النص – – فبعد أن ينهي الناقد قراءته
للنص سيكتشف ان كان هذا النص -شعرا او نثرا- يحتوي على أخطاء لغويّة إملائية قواعديّة او في الوزن او في القافية فيما يخصّ الشعر وما ينطبق على الشعر ينطبق على بقية أنواع الأدب في كل ما يتعلق في قوانين الخطاب الأدبي أم انّه نص متكامل وانّ مؤلفه متمكن من أدواته الإبداعية في مجاله كتابته – – فإذا كان النص مستوفيا جميع هذه الشروط فعلى الناقد أن يذهب مباشرة الى النص ويقوم بقراءة تأويلية له ومفهوم التأويل هو قراءة فكرة النص وما يرمي إليه بمعنى آخر يقوم بتفسير النص للقارئ من خلال تبسيطه وشرحه وكشف الغامض والمخبوء في النصوص بطرق نقدية علمية سهلة بعيدة عن لغة المؤلف أيّ أن يتولى الناقد عملية شرح مضمون النص و يحدد زوايا النظر اليه وكيفية الدخول الى عوالمه و تحليل صور وكل ما كان المؤلف يعنيه أو مقاربة ما كان يدور في قصدية المؤلف حسب سياقات المناهج : الاجتماعي، النفسي، التاريخي التي تتيح القراءة والتوصل إلى معنى النصوص في محاولة إلى الاقتراب من المعنى الحقيقي في قصد المؤل!! فأذن عمل الناقد المؤول هو (تحديد المعاني اللغوية في العمل الأدبي من خلال التحليل وإعادة لغة المفردات والتراكيب من خلال التعليق على نص ما — دليل الناقد الأدبي — البازعي والرويلي 2002 ص (معززة بقدرة وتطلع الناقد المؤول حسب وعيه الجمالي و مرجعيته الفكرية وأساليبه المتراكمة من خلال الدراسة أو الثقافة والتي سوف تعززان قدرة الناقد الى الوصول الى بواطن النصوص و توسيع دائرة الفهم وإضاءة المعتم من النص ولعلّ من أبرز عيوب النقد التأويلي أنّه يذهب مباشرةً الى النص ويبدأ بتأويله متغاضيا عن جميع العيوب التقنية والفنية و اللغوية و كلّ ما يمتّ الى قوانين الخطاب الأدبيّ بصلة كالوزن والقافية فيما يخصّ الشعر مثلا – – لأنّ الناقد التأويلي غير معني بكشفها او حتى مجرد الاشارة اليها لواحد من السببين الآتيين : أما للمجاملات الشخصية و أمّا لنقص في أدواته النقدية وبالتالي يتمّ غضّ الطرف عن الخروقات التي يرتكبها المؤلف بسبب عدم تشخيصها او حتى مجرد الإشارة إليها سواء أكان عدم الإشارة إليها بشكل متعمد ( وتلك مصيبة ) أما بشكل غير متعمد من خلال قصور في أدواته النقدية ( و المصيبة أكبر ) لأنّ هذا سوف يرسل اشارات خاطئة الى المؤلف بأنّه قدّم عملا أدبيّا او فنيّا متكاملا لأنّ الناقد التأويلي أعطاه العلامة الكاملة في
قراءته هذه وهذا خطأ وانحراف واحظ عن مفهوم ورسالة النقد التي لخّصها ميخائيل نعيمة في كتابه الغربال بقوله ( مهمة الناقد هي غربلة النصوص لا غربلة أصحابها — ينظر الغربال ميخائيل نعيمة ص (43 أمّا النقد التقويمي فله آلية مختلفة عن النقد التأويلي فهو لا يتغاضى عن أيّة خروقات لقوانين الخطاب الأدبي بل يسارع إلى الإشارة أليها و تقويمها من خلال تشخيص الأخطاء في نسق الخطاب و هذا ما يحاول أن يتجنبه غالبية النقاد لأنّهم يدخلون في صدام مباشر مع المؤلف في حالة الإشارة إلى مواطن الخلل في نصّه ويشترك الناقد التقويمي مع الناقد التأويلي بعملية شرح مضمون النص و تحديد زوايا النظر إليه وكيفية
الدخول الى عوالمه وتحليل صور وكل ما كان المؤلف يعنيه أو مقاربة ما كان يدور في قصديّة المؤلف حسب سياقات المناهج: الاجتماعي، النفسي، التاريخي التي تتيح القراءة والتوصل إلى معنى النصوص في محاولة إلى الاقتراب من المعنى الحقيقي في قصد المؤلف لقد وضع ماكدونالد أربعة شروط للناقد التقويمي هي:
1 أن يكون مقدرا
2 ذا قيمة
3 مهتما كذلك بالوصول إلى جمهرة القراء
4 أن يكون تقويميا
الواضح في هذه الشروط التي نوّه إليها ماكدونالد انّه أعطى الأفضليّة الى الناقد التقويمي ووصفه بأنّ يكون مقدرا من قبل القارئ والمؤلف على حدّ سواء وله قيمة في عملية إنتاج النص وكذلك سوف يصل في طريقة تحليله هذه الى أكبر قاعدة من القراء لأنّ يقدّم قراءة تشخيصية مجهرية حقيقية بعيدا عن المجاملات و المصالح الضيقة و هذا ما يعنيه دونالد ماكدونالد بقوله (مقدّرا ) اي محترما من قبل القرّاء وفي النهاية تبقى القراءتان التقويمية و التأويلية علمّيتين و لكن لكل منهما أسلوبه ومنهجه في النظر إلى
النص وطريقة تحليله وتقييمه
رسول عدنان
ناقد و شاعر عراقي
المصادر :
موت الناقد – دونالد ماكدونالد
دليل الناقد الأدبي — البازعي والرويلي
الغربال — ميخائيل نعيمة
عن موقع القدس العربي
تحياتي وتقديري للناقد الدكتور : رسول عدنان ، فهو بمواقفه النقدية الجريئة لبعض النصوص الأدبية أعاد للساحة الأدبية القيمة الحقيقية للناقد الذي يقيم النص بمعطيات نقدية دون النظر إلى اسم صاحب النص( كبيرا أو مشهورا ).
وللشاعرة الرقيقة :إخلاص فرنسيس التحية لأنها تساهم في هذه النهضة النقدية .