ماري القصّيفي
أحببتك فصرت الرسولة
تعبت من الحبّ
من حبّك لي ومن حبّي لك
تعبت من زخم ما أنا فيه
وأريد أن أوزّعه على الفقراء ليغتنوا
وعلى المرضى ليشفوا
وعلى الأشجار لتثمر
وعلى الأنهار لتتدفّق
***
ليس من العدل في شيء أن أحتمل هذا الحبّ وحدي
وهل يستطيع أيّ إنسان أن يحمل صليبًا تتعلّق عليه آلام البشريّة وآمالها؟
يحتاج الأمر إلهًا ابنَ إله، يثور في وجه الأقوياء ويحنو على الضعفاء
إلهةً ابنة إلهة، تنزف ماءَ رغبةٍ ودمَ وصال
***
تعبت من الحبّ الذي يفيض كثروة البخيل
ويثور كوالد فقير على باب مستشفى
ويغمر كغطاء انتظره مهجّر من بيته
ويتفجّر كنبع حان موعد ولادته ليجدّد شباب الأرض
ويسيل كدمع طفل موجوع
ويشرق كنجمة صبح على تائه وحيد
ويتوهّج كفلس أرملة لا تستطيع أن تمنع نفسها عن العطاء
تعبت
من الحبّ المجنون، الصاخب، المتطلّب، المتسائل، الملحّ، المشاغب، العنيد
من الحبّ الذكيّ، المشاكس، الباحث، العاصي، العابث
من الحبّ الخالق، الخلاّق، المختلف، المتخيّل، المتخايل
تعبت من الحبّ
من كلّ أنواع الحبّ التي اجتمعت بك وحولك ومعك
أريد أن أستقيل من مهمّة الانشغال عليك وبك
من دوام عمل لا أعمل فيه سوى السؤال عن صحّتك وعملك
والتساؤل عن نتيجة اجتماعاتك ورحلات عملك
في انتظار أن تجد الوقت لتقدّم لي بعض رؤوس أقلام على طبق من فضلة الكلام.
تعبت من مهمّة رسوليّة مصيرها الاستشهاد على حدود اللقاء
***
تعبت
من إعداد نفسي
مرّة بعد مرّة
للقاء لم نحدّد موعدًا له
من طهو الكلمات الطازجة لوليمة العرس
والعريس غائب
من تفصيل ثياب الرقص الملوّنة
ولا موسيقى تعزفها أنامل عشقك على مسام لهفتي
تعبت
من حماسة الانتظار
وأريد الوصول ولو إلى باب الضجر
تعبت
من النوم في حضن الحلم
وأرغب في الاستيقاظ ولو على أرض الواقع
تعبت وبتّ في حاجة إلى نقطة النهاية ولو لم ينتهِ الكلام
تعبت
من إكليل الشوق
ومسامير الرغبة
وسياط الغيرة
وما من حربة تنهي الانتظار
***
خدعتني أيّها الصديق العجوز
بعدما أوهمتني بامتلاكك مفاتيح السماء
وخرائط الأرض ولغة الكائنات
قلت في نفسي:
ها هو الفكر يفتح لي ذراعيه ويدعوني إلى رحلة الألف سؤال وسؤال
ها هي الحكمة تأتي في منتصف العمر لتجيب وتستجيب
ها هو العقل يستردّ حقّه في عصر الضجيج ويكافأ على صبره
والقلب يطمئنّ إلى استراحة فيها نكهة الزيتون وأريج العسل
غير أنّك وصلت تعبًا من رحلة بحثك عن المعنى المختبئ في قلب الحياة
وفي حضن انتظاري ألقيت رأسك المثقل وغفوت.
وقبعت أنا من جديد أنتظر عودتك إلى الأرض أدونَ الجديد
أحفظ في قلبي حكاية انتفاضك من غفوة العمر
لتهبّ مرّة بعد مرّة ساعيًا خلف ما لن تصل إليه لأنّك لا تعرف ما هو
خدعتني يا رجل المعارك التي لم أغنم منها سوى الغبار عن نعليك
والدمع من عينيك
وأشعار الهزيمة
فمن أين أستمدّ قوّتي لأكون السيف والدرع ومخدّة العشق؟
ومن أين لي صبر بينيلوب، وأمومة العذراء، ومجون المجدليّة؟
ومن رسمني كاهنة في معبد أحلامك؟
وكيف تركت نفسي أنساق نعجة على مذبح بطولاتك التي لا يعترف بها التاريخ
والتاريخ يكتبه المنتصرون بالحبر النازف من جراح الضحايا؟
وما أنت سوى مشروع انتصار واحتمال ضحيّة
لا. أنت لم تخدعني
كنت أعرف
كنت أعرف أنّك صورتي وشبيهي ومرآة نفسي
ولذلك أنا تعبة بمقدار ما أنت تعب
لأنّني أحملك في ذاتي
وتحملني في ذاتك
وهذه رسالة القدّيسين لا العاشقين
***
أريد حبًّا “طبيعيًّا”
لا يحلم بإنقاذ العالم واجتراح معجزة إيقاظ الناس
بل يكتفي بإنجاب طناجرَ للطبخ
وطبخِ أولاد على نار علاقة معتدلة الحرارة
والتسوّق للعيد لا فلسفة معانيه
والتبضّع من المخزن لا مراقبة تصرّفات المتسكّعين فيه
والثرثرة مع النساء عند مزيّن الشعر لا الغرق في القراءة
لم أعد أريد أن أكون أنا
الهاربة إلى إدمانها الكتب
والمطمئنّة إلى نسكها في صومعة الكلمات
والمهووسة بترتيب العالم وتربية سكّانه
والهاجسة بإيجاد حلول لمشاكل لا تعنيها
والحاملة سلّم الإنقاذ في عرض الشارع الهائج
***
لماذا لا أنصاع لاحتمال تحوّلي قطّة مدلّلة نعسة
فآكل وأشرب وأنجب وأغفو
وآنف من فكرة مطاردة الفئران التي مارسها أسلافي؟
ولماذا لا أقدّم في دير “التطنيش” وأمام مذبح “المعليش”
نذور الغباء والتجاهل والانسياق؟
لماذا فضّلت أن أكون شجرة تتعرّى في البرد
وتواجه العاصفة برأس مرتفع وجذور عنيدة؟
ولكنّي الآن تعبة
التراب يُجرَف من تحتي
والمياه تسمّم نُسغي
والهواء يلوّث أنفاسي
فكيف أقاوم التصحّر ويدك الخضراء تمسك عنّي الحياة؟
***
من أين أتيت أيّها الغريب؟
ومن رماكَ على عتبة انتظاري
كمشةَ أحلام وكومة وجع؟
لا مؤونة عندي سوى كلمات
أسكبها على جراحك طيبًا
وأنقّطها على شفتيك خمرة
وأفرشها لك سريرًا
لكنّ أفكاري في مكان آخر
فخذْ جسدي الليلة وسكّن به ألمك
في انتظار صباح جديد
تعليقات 1