يوسف طراد
غرفة قديمة مربّعة، تقع في وسط القرية على تقاطع طرق يربط حاراتها العديدة. فريدة من نوعها بموجوداتها وزوارها. كانت تحوي رفوفًا خشبية متعالية فوق بعضها البعض، تصطّف عليها (القطارميز) من كل حجم، كمقاعد البرلمان القديم قبل إعادة ترميمه. هذه المستوعبات الصغيرة تتغاوى على الناظر إليها بموجوداتها اللذيذة: الملبَّس، القضامي، الفستق، (الكرميلو)، سكر النبات وغيرها من الأطايب. تقبع تحتها حاويات مربعة، ملتصقة بالجدران، ذات أغطية خشبية تحوي جميع انواع الحبوب من العدس، البرغل، السكر، الفول، الحمص والرز
إنه محل كل شيء لا يمكن أن تطلب أية سلعة إلَّا وتحصل عليها في اليوم التالي إن لم تكن موجودة
كان الدكنجي محلّل سياسي، مرشد، خبير بالشؤون والشجون، ينقصه درجة الكهنوت للوعظ وبائع فحم وفراريج
عند كلّ مساء، كان الدّكان يتحوّل إلى ملجأ المتعبين القادمين من الحقول الذين تمتلكهم الحشرية لمعرفة ما جرى نهارًا على صعيد القرية والعالم. فمذياع الدّكان ثبّته رئيس المتكأ على إذاعة مونتي كارلو، التي كانت تبث أخبار لبنان والعالم على مدار الساعة حربًا وسلمًا. بالإضافة إلى أخبار النساء التي تدخلن الدّكان نهارًا، تدفعن القروش والبيض البلدي والخبريات المحلية بدل البضاعة التي تشتريها
قبل النشرة المسائية، كان الحديث يتناول شخصيات عديدة مع حفظ الالقاب: كميل شمعون، سليمان فرنجية، بيار الجميّل، رشيد كرامي، كمال جنبلاط، صائب سلام، كامل الأسعد، عادل عسيران، عيدي أمين، عبد الناصر وخليفته أنور السادات وغيرهم، وإتفاق كامب دايفيد مع موجباته وسلبياته
إنها الثامنة، ينصت الجميع لمراسل الإذاعة جورج بشير كأنهم في حضرة ساحر
عند انتهاء النشرة تتعاظم التحاليل، لكنّ كلمة الفصل دومًا لصاحب الدّكان، فهو المحلّل الذي تختمر جميع نشرات الأخبار والتحاليل السياسة في مخيلته، أغلب الأحيان لم يكن كلامه يتطابق مع أرض الواقع لأن السياسة عندنا لا دين لها
عندما يحل الشتاء، يكتمل النصاب، يجلس رفيعو المقام على أكياس الملح والحنطة، وتبدأ الشتائم المهضومة خلال لعب الطرنيب
2 /10 /2019
غرفة 19
- الحياة والمحبة والتعلم: ثلاثية متكاملة
- صرخةُ قلمٍ باحث عن كلماته الضّائعة
- “ظلالٌ مُضاعفةٌ بالعناقات” لنمر سعدي: تمجيدُ الحبِّ واستعاداتُ المُدن
- الشاعر اللبناني شربل داغر يتوج بجائزة أبو القاسم الشابي عن ديوانه “يغتسل النثر في نهره”
- سأشتري حلمًا بلا ثقوب- قراءة بقلم أ. نهى عاصم
- الأدب الرقمي: أدب جديد أم أسلوب عرض؟- مستقبل النقد الأدبي الرقمي