ناصر الحجّاج

حين تأتي شاعرا في بداية مشوارك الشعري الى الجامعة اللبنانية ، ستجد فسحة للانطلاق وبيئة لتطوير رؤاك الشعرية وعدتك الفنية! لكنني كنت أكثر الطلبة الأجانب في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية في بيروت حظا، ان يتعهدني العميد السابق للكلية، الناقد الفذ، خريج كيمبرج بما تحمل من رصانة الأكاديميا، وابن بيروت الأصيل الشامخ، الملتزم المتعالي على الطائفية، والناقد الصارم، والانسان الكبير في اطلالته الساحرة واناقته المعهودة، وظُرفه ودعابته التي تكسر كل حواجز الخوف والمهابة التي تفرضها شخصيته الأكاديمية
انه وجيه فانوس ، المعلم الحر، الذي احرز احترام جميع الفرقاء في بلد توزع طائفيا ، فصار حقل الغام
هو أستاذي ومشرفي في مرحلة الماجستير ، وكان أول من قدمني شاعرا بعد صدور مجموعتي الشعرية “نبوءة مجنونة” بيروت ١٩٩٧ واول من قيم كتاباتي النقدية، بشكل أربك طريقة التقييم المتبعة في الجامعة، .. أخذني من يدي الى شرفة مبنى الكلية في “تلة الخياط” مفرق الأونسكو، حيث كان يدرسنا مادة النقد الأدبي، وقال سأضطر الى خصم بضعة “علامات” من تقييمك الذي اثار حفيظة الكلية كلها، قال سألني رئيس الجامعة : من هذا الطالب الذي منحته علامة شبه كاملة؟ طه حسين؟ قال رددت: هذا افضل من طه حسين
اتعرفون استاذا يعامل طالبا بهذا التواضع ، ويسأله ان يقبل درجة اقل لتلافي المشاكل؟! انه فانوس، واكرم به مبدعا، زرع فينا روح الجمال والابداع والاكاديميا
خسارة مفاجئة، ففي نهاية هذا الاسبوع، هنأته بعيد الأضحى، وهنأني بعملي الجديد مع جامعة مونتانا ، واعذروني ان أنعى اليكم هذا الفذ المترع عطاءً ونشاطا وانسانية، ووطنية، وصدقا وجمالا وذوقا
سأحدثكم عنه حيّا قريبا، فانا في وعكة صحية منذ ايام
رحمة الله عليك استاذنا وجيه فانوس ، وتعازينا لعائلته الصغيرة والكبيرة ولمريديك وأصدقائك وللاكاديميا ، ولكل لبنان والعالم العربي بهذا الفقد الكبير
