اخلاص فرنسيس
غالبًا ما أكتبُ في الحبّ، ويبقى السؤالُ: كم مرّةً أحببتُ، وما هو نوعُ الحبِّ الذي أكتبهُ هنا ؟؟هل نحن نعيشُ الحبَّ حقيقةً بتجليّاتِه أم إنّه يُهيّأ لنا أنّنا نعيشهُ خيالًا وما نحن لسنا سوى متكلّمين عنهُ صدقًا أو كذبًا
الحبُّ والإنسانيّةُ والحريةُ، كلُّ العيونِ والأقلامِ تسلّط الضوءَ عليها، إن كتبنا عنها دون أن نسمعَ منها فهذا يعني أنّنا خارج المعادلة، وعندما لا أسمع منها فأنا أذن دخيلٌ عليها، وعليّ البحثُ عن قضايا أخرى؟
من أنا لأكتب عن وجعِ الإنسانيّة إن لم يكن بيني وبينها هذا التآخي؟
إنّ كثافةَ الفكرةِ تأتي من مدى اختبارنا لتلك القضايا الإنسانيةِ المحسوسة المعيشة
سيقولُ قائلٌ: إذن أنت كلّها في قصصك؟
أقول: نعم ولا، أنا كلّها في الوجعِ، وشريكتها في النضالِ، وأنا الأمّ والابنةُ والزوجةُ والأختُ والحفيدةُ والجدّةُ، أنا كلّ تلكَ اللواتي التي بنى المجتمع بتقاليدِه وعاداتِه بينها وبينَ الحريةِ سورًا منيعًا منعَ عنها المتنفّسَ الجميل الذي يُبقيها على قيد الإنسانيةِ، ألا وهو الحبُّ وحريةُ الفكرِ والاختيارِ، وكلّها تجتمعُ في إطارٍ واحدٍ وهو: المرأةُ كائنٌ مثلهُ مثلُ الرجلِ، وقد تتفوّقُ عليهِ في الظروفِ الطبيعيةِ. ألم يقلِ المتنبّي
وما التأنيثُ لاسمِ الشّمسِ عيبٌ ولا التّذكيرُ فخرٌ للهلالِ
إنّ علاقتي بالحبّ علاقةُ السّمكِ بالماءِ، أحيا وأتحرّكُ بهِ، ودونَهُ الموتُ
إنّ تلك الكلمةَ هي المايسترو، وهي إلهامُ الحالمينَ، توزّعُ الأدوارَ في الحياةِ العمليةِ اليوميةِ، فيؤدّي كلٌّ منّا دورَهُ بإتقانٍ
ما أكتبُه ليسَ إلا صرخةً خرجتْ من شغافِ القلبِ، حملتْها روحي في رحلةِ التجوالِ في البحثِ عمّن يتبنّى هذهِ الفكرةَ، أي فكرةَ الحبِّ والحريةِ والسلامِ، وينثرُ بذورَ الإصلاحِ والصلاحِ في هذا الكونِ الغارقِ في الفسادِ، بكلّ ما فيهِ من كراهيةٍ
إنّ السلاحَ الذي يدفعُ ثمنَهُ الإنسانُ ليدمّرَ أخاهُ الإنسانَ يفوقُ الخيالَ
أنا ليسَ في يدي إلا سلاحٌ واحدٌ، هو هذا القلم، وهذه اللغة، وهذه القلوبُ التي ما زالتْ تؤمنُ بالحبّ بلسمًا وحيدًا لعلاجِ الإنسانيةِ
كتاباتي تشخيصٌ لعللِ مجتمعٍ كاملٍ في مختلفِ بقاعِ الأرضِ، علاجُها سؤالٌ لحوحٌ: هل أنا معافاة عن السعي؟ وأينَ أنا من هذهِ العبثيّةِ حولي؟
لقد نالَ الوجعُ من فراشةِ حلمي، وأحنى الظلمُ والظلامُ بياضَ ورقي، وباتَ أنيني الخبزَ اليوميّ، وأنا أرى ما أرى. جلادٌ ينهش ظهري، ودمعي غزالةٌ تفرُّ من عينيّ، لمن أبوحُ؟ فأسفاري أرهقتْها عينا ملك في الشارعِ، وصرخةُ بريجيت في ساحلِ العاج، وامرأةُ الخمسينَ في المرآةِ، وابنُ السبعينَ في المقاهي
يجلسُ منتظرًا موكبَ الموتِ، وسريرُ العشقِ أشواكٌ في قلبِ الحيوانِ والطيرِ والسهلِ والجبلِ وصقيعِ الغربةِ، يدفئُها حطبُ التهجيرِ، وعازفُ العودِ، وابتسامةُ نازنين. يُبكيني الكلامُ فأوثر الصمتَ كمن يقبضُ على الجمرِ
ينتفضُ قلمي، وأنتفضُ للحبِّ والإنسانِ، فلن أدعَ سوطُ الجلادِ ينالُ من رسالتي، ستردّد أغوارُ أرواحِكم صدى الكلماتِ، وتخرجُ إلى النارِ سكيبةَ حبقٍ، وأتدفق مثلَ دمعِ الغيابِ نحو السحابِ في خفّة وسفرٍ، على ظهري حقيبةً السفرِ أجمعُ فيها كلّ الوجوهِ، وكلّ الصرخاتِ التي انصهرنا معًا في بوتقةٍ واحدةٍ
أبحثُ عن الرجلِ الذي يرى وجهي عزفَ نايٍ، وينتشي من تدفّقِ روحي.. عنِ الرجلِ الأخِ، الأبِ، الزوجِ، والصديقِ
الكتابةُ هي فنُّ الاحتراقِ، وقد قيلَ
“لا بدّ أن يُحرقَ المرءُ نفسَهُ كي يولدَ من جديدٍ.”