عندما عقدت العزم على قراءة رواية “الخيميائي” وقفت مليا أمام العنوان ،ما المقصود بالخيميائي وهل المعنى له علاقة بالكيمياء؟
ما إن قرأت الصفحات الأولى حتى عدت للتفكير في معنى العنوان.
لوضع حد لهذه التساؤلات لجأت إلى محرك البحث للتقصي والفهم، فحصلت على ما يلي:
الخيميائي هو الشخص الذي يمارس الخيمياء..والخيمياء ممارسة قديمة ترتبط بعلوم الكيمياء والفيزياء والفلك( التنجيم بالخصوص ) والفن وعلم الرموز وعلم المعادن والطب والتحليل النفسي..
هذه العلوم لم تكن تُمارَس قديما بشكل علمي كما اليوم..وإذذاك تمكنت من متابعة القراءة بنوع من الارتياح.
تدور أحداث الرواية حول شاب إسباني،في منطقة من الأندلس حيث يشتغل الشاب بالرعي، إذ يخرج في رحلات قصيرة ثم يعود للمبيت رفقة أغنامه في إحدى الكنائس المهجورة..
تجتاح الشاب أحلام عن كنز مدفون قرب أهرامات مصر، ويتلقى مجموعة من الإشارات التي يمضي إلى البحث عنها، فيبيع أغنامه ويرحل في اتجاه تحقيق الحلم.تعترضه مجموعة من الصعاب التي يحاول في كل مرة أن يجابهها ويتحداها لتحقيق “أسطورته الشخصية”
يجوب الصحراء بكل مخاطرها ليصل إلى الأهرام، لكنه يكتشف أن ما ينتظره هو إشارات للوصول إلى مكان الكنز..
تطرح الرواية فكرة البحث عن الهدف في الحياة من خلال أتباع مجموعة من الدلائل والإشارات لتحقيق ” الأسطورة الشخصية” لبطل الرواية سنتياغو ،عبر إنشاء مجموعة من العلاقات مع الطبيعة، من خلال وضع حوارية كونية معها، بمحاورة الصحراء والرياح والرمال، وكل ذلك بأسلوب بسيط يطبعه الترقب والدهشة، كما تصادفك بين الفينة والأخرى بعض الحكم التي تجبرك على الوقوف للتأمل وأخذ العبرة. ولعل هذا ما جعل الكثير من أقوال باولو تؤخذ كنوع من الأمثال..
منذ الصفحات الأولى يعبر الكاتب عبر ثقافته عن صداقة عريقة مع الميتولوجيا العربية، كما نلاحظ بعض الإشارات إلى الديانتين الإسلامية والمسيحية..
تميزت الرواية بترابط الأحداث وتطوراتها وفق تسلسل منطقي ومنهج تقليدي، حيث تكونت من بداية ثم عقدة وصراع مؤدي إلى النهاية..
الصراع غالبا ما يكون بين الشخص ونفسه حين يدخل في حوار مع الذات، أو بين الشخصيات في ما بينها..
يظهر سانتياغو الراعي الإسباني كشخصية رئيسية في الرواية، فهو الشاب الذي يقرأ بنهم ويسعى إلى تحقيق حلمه الذي رآه في ليلة مقمرة تحت شجرة جميز في كنيسة مهجورة، وتدور أحداث الرواية كلها حوله، في ارتباط مع شخصيات فرعية مكملة للمشهد الروائي من خلال الحِكَم التي تأتي على ألسنتها ومن خلال المواقف التي تربطها بالشخصية الرئيسية ،على سبيل المثال نذكر الأب والعرافة الغجرية والملك سالم وبائع الفوشار والخيميائي وفاطمة والخيميائي الكبير..
هناك أيضا نوع ثالث من الشخصيات التي يمكن تسميتها بالشخصيات المعيقة كلص الميناء بطنجة، وزعيم الفرسان المهاجمين للواحة، واللصوص عند الأهرامات..هذه الشخصيات بدورها تعمل على ربط وشائج الحكي ليصير أكثر متعة..
يستخدم الكاتب المونولوج في حوار البطل مع نفسه أو أثناء التحدث إلى الصحراء،ولا يلجأ إلى الخطابات الطويلة بل يعمد إلى الجمل المختصرة والإشارات الهادفة..
تتعدد الأمكنة في الرواية بين إسبانيا، طنجة، الصحراء،الواحات والأهرامات.
أما الزمن فيظهر ضمنيا من خلال السياق الذي يحيل على زمن قديم حيث كانت الأندلس لا تزال تخاف من الغزو العربي..حيث أتى على لسان الراعي تطيره من الرياح الشرقية التي تأتي من الصحراء..
يمكن القول أن رواية الخيميائي تحيلنا على رحلة الإنسان للبحث عن الذات وهدفه في الحياة وتحقيق “أسطورته الشخصية”
وكأن الكاتب يشير إلى أن داخل كل منا معدن رخيص يمكن إزالة الشوائب منه وتلميعه ليصير معدنا نفيسا..
ويبقى النص منفتحا على الكثير من التأويلات والكثير من القراءات نظرا لثرائه ولما يزخر به من الإشارات والحكم..