أحمد اسماعيل
النظرة السارحة ما زالت تكحل الشارع
عامود الإنارة ينتظر أن يفل حتى يأخذ دوره كشيء مهم
المقعد البارد على الرصيف يثير التساؤلات الساخنة لفراغه من الرواد، البلاطات المرصوفة على حافة الطريق تشتعل غيرة من البلاطة التي يقف فوقها سعيد فردتا الحذاء المستعار لا تسمح للغبار أن يقترب من وجهها، هي تعكس الآن الكثير من البساطة في بنطاله و قميصه و ربطة العنق التي تزيد الخناق على الكلمات التي يفكر في قولها
أما الزهرة المحمولة بحنانه ومشاعره الجياشة وضعت شوكة في كل تخيل يزرع الشك صارت تصهل في مجازه، تغريه بما تمتلكه ملامحها من رحيق اللغة قصائد ليحفظها و يروي به اللقاء و المسافات
لتكون كأي عسل تتذكره نحلة كلما أكلت وشربت و رقصت
ها هي من بعيد تطل بقبعتها السوداء و المطرزة بجورية حمراء وقليل من الدانتيل الشفاف يحاول أن يغطي عينيها، و مع ذلك الضوء يتسلل من بين الثقوب ليعكس بريقها و ألقها
ثوبها الأسود يتلو آيات الحسد و الاقتراب يقص الميترات الزائدة
حين رفعت رجلها لتخطو خطوة الأمان، سد انتباهها قط بني يركض بكل ما أوتي من شجاعة خوفاً من الكلب الشرس الذي يسيل الشر من لعابه المتقاطر من لسانه و أنيابه الحادة
النباح أثقل على وعي القط، فبينما هو ينظر لخلقه يصطدم بحرف الكعب العالي لحذاء بسمة
يقع القط
تقع بسمة
يخرج الحذاء من قدمها قسمين، الكعب في جهة و الحذاء في جهة تمسك ما تبقى من الحذاء وقبل أن يقترب الكلب البغيض ترميه به ككرة مصوبة من ميسي للمرمى يهرب الكلب بعيداً و يترك صوته الذي تغير فجأة في تجويفات المكان
تنادي على القط هو الآخر يهرب منها، تعقد جبينها ناظرة لحالها، لم يبق سوى أن تلملم نفسها من ذرات الخجل التي تغلغلت في وجنتيها مد لها يده حتى تمسك به آفة النسيان، و تغلق عليه في متاهات الشوق، لكن النسيان ثعلب ذكي يغني على جثة الذاكرة نشيد سقوطها المدوي بلحن تهز تقاسيمه ريشة الإلحاح
نسيت القط
نسيت الحذاء
نسيت قدمها العارية
شيء ما يحرك يدها اليمنى عاليا ، الصفعة تعبر فضاءات الدهشة بسرعة نفاثة
سعيد: يضع يده على خده، يفركها متسائلا في نفسه
كم دفعت لمايك تايسون حتى تستعير ذراعه
أظن أن حنكي تواطأ مع صفعتها متخليا عن صلابته
و دمي هو الآخر يتبرأ مني، ينزف أمامها منحدرا من اللثة و دون وجه عناء، يجد نفسه في الهواء ممارسا أمامها وقاحته في التخثر
لأول مرة أظهر بهذا الضعف، أنا الآن كطائرة فقدت توازنها
وكل ما أخشاه أن تكون قد اطلعت على صندوقي الأسود
الابتسامة تغافل الجميع و ترتسم على وجهي كورقة جوكر تفكر أن تصنع فارقا
تتمتم: كأنها امتصت غضبها قليلا
الشكوك تتلاشى حين يستلم السؤال المبادرة على لسانها قائلا
بأي وجه سرقت ؟
سعيد: أنا يقولها وعيناه أصبحت جاحظتين و صيوانا أذنيه تستعدان لتلقي المزيد من الهجمات
الشفتان جفتا…تعلنان التصحر، تبحثان عن كلام رطب يبللهما
بسمة: نعم أنت
سعيد: الصمت يأخذه لحوار جانبي ، و الأفكار السوداء تبدأ بملاحقته الآن، هل حقاً اطلعت على صندوقي الأسود
بسمة: لماذا تصمت ؟
هل أكل القط لسانك؟
المحفظة التي كانت على كتفها تتحول إلى قذيفة مبرمجة بالإحداثيات التي ترسمها على قفا رأسي
ركبتها تجرب آخر قدراتها الخارقة حين تباغت بطني
وقبل أن تستدعي باقي وحوشها، يقفز أرنب لسان سعيد الفصيح ليطري الموقف
أخرج من قبعة الإخفاء بعض الأكاذيب و المراوغات التي تمنحه فاصلا ليبلع ريقه
كيف تتهمينني؟
- بيروت الحاسة الثامنة – جنان خشوف
- شرياني المُعَتَّق…!!سهيل درويش
- حبرُنا كاذبٌ – جميل داري
- لم يتبق في الوقت وقتٌ..
- لاجئاً غير شرعي! مريم الاحمد
- ساقان لا يمسهما النور – راوية الشاعر
و عن أي سرقة تتحدثين؟
أين الحب ؟
أين حنانك ؟
مع السؤال الأخير تعود الحقيبة بين يديها كحمل وديع، السحاب يفتح سريعا، يدها تمتد إلى الداخل ،مع ألوان من التعبيرات التي مازالت أسارير وجهها تهاجم به
سعيد: مانوع المسدس الذي ستخرجه؟
هل هو محشو بالرصاص؟
بالتأكيد هو مع كاتم صوت
لا لا لن يطاوعها قلبها ،هي تمزح فقط
بينما كان التبسمر يعصف بجسده، الورقة الممتلئة بكلمات الحب خرجت مع يدها على هيئة قصيدة فاتنة ، كتب على ترويستها إلى ملااااك
الرسالة الطازجة التي تفنن بخطه في كتابتها لبيت أسرار بسمة ، والتي كانت عصفورة للموعد التالي
الرسالة لم تنس مهمتها ، اخترقت جدار الصوت وهي تثقب عينيه، وجيش حياءه المختبئ ، مع ظهور ملاك الخاطف و غيومها الهاطلة بندف البصاق